جبال يترصدهم بها الخطر فان تغافلت عنهم الجيوش أحيانا يطوقهن حراس الغابات و بعد يوم مضني بالشقاء يسلبوهن ما جمعت أياديهن من صنوبر الا أن بعضهن يجدن ملاذهن في الهروب ببعض الأكياس من الصنوبر الحلبي و يعدن أدراجهن إلى منازلهن ليواجهن مشقة نيران الأفران التي بها يسكبن ما ثمرت به أياديهن من الصنوبر الحلبي و يقلبن تلك الكميات القليلة منها يمنة و يسرة إلى أن تستوي ....
و عن هذه المعاناة تُحدث الخالة فاطمة صوت الكثبان و تروي يومياتها " في كل يوم أتوجه الى الجبال لكسب قوتي و قوت أبنائي غير عابئة بالتهديدات الارهابية او تحجيرات القوات العسكرية مواجهة حراس الغابات الذين أحيانا كثيرة يترصدوني و جمع من النسوة لافتكاك ما جنت أيادينا من الصنوبر الحلبي".
وتتابع مُحدثتنا " بمناسبة المولد النبوي الشريف أحاول ان أمضي كامل يومي بالجبل لقطع أكبر كمية ممكنة و أستخرج منها حبوب الصنوبر الحلبي او ما يُطلق عليه بحبوب" الزقوقو"...
تصمت قليلا وتمضي في كلماتها وهي تقلب أناملها التي اكتوت بنيران الافران و تشير الى قدميها التي كثرت بها الشقوق ما يحيلنا إلى الويلات التي تعيشها نساء المناطق الريفية بولاية القصرين المعروفة بثرواتها الطبيعية غير المُستغلة.
وفي كلمات مقتضبة من فاهها المنهك تحدثنا عن مراحل استخراج حبوب الصنوبر" أسكب كميات الصنوبر بالأفران و أقلبها إلى أن تستوي ثم أدهسها بالعصى و أجمع منها كميات قليلة من الحبوب لأبيعها على قارعة الطريق بقليل من الدنانير و أشتري الرغيف و الحليب و الشاي ما يؤمن لي لقمة العيش لأيام معدودات و أدخر ما تبقى لأوجهه الى معاليم دراسة ابني بالجامعة..."
هؤلاء النسوة اللواتي يجمعن حبوب الصنوبر و لا يتذوقنها حتى بالمولد النبوي الشريف فهن يقتصرن على العصائد المحلية او العربي التي تصنع من الطحين و زيت الزيتون و السكر. فان يبعن الكيلو غرام بعشر دنانير و يؤمن مؤونة الأيام القادمة خير لهن من استهلاك حبوب الصنوبر الحلبي ....
تمشي تنتهجه أيضا الخالة خيرة و زوجة ابنها وفاء و تقول لصوت الكثبان " هي معاناة يومية لكسب لقمة العيش حيث أصبح الخطر رفيقنا اليومي و لكن ماذا نفعل فلا سبيل أمامنا غير غابات الصنوبر الحلبي للعيش رغم وعورة المسالك اليها" ...
و تضيف و ابتسامة خفيفة على شفتيها التي انهكتهما الشقوق " ان عدم استهلاكنا لحبوب الصنوبر الحلبي او الزقوقو لا يعني ابدا اننا لا نحتفل بالمولد النبوي الشريف فنحن نطهو العصيدة العربي و نستعمل الطحين و زيت الزيتون او الزبدة ان غابت الامكانيات و السكر"
هن نساء يرجون ان يكون مستقبل ابنائهن افضل...و ان تحسن الدولة استغلال غابات الصنوبر الحلبي بولاية القصرين التي تمسح مائة و اثنين و خمسين الف هكتار و وصفت بالغابات النقية لجودة منتوجها. الا ان ادارة الغابات التابعة للمندوبية الجهوية للفلاحة تستغل منها ثمانية عشر الف هكتار فقط .
و يشار الى أن انتاج حبوب الصنوبر الحلبي قد تراجع الى اثنتين و عشرين بالمائة مقارنة بالسنوات الماضية حيث وقع استهلاك ألفي هكتارا فقط من غابات الصنوبر الحلبي خلال هذا الموسم باعتبار حساسية الوضع الامني و الظروف الطبيعية بالقصرين التي تتميز بصعوبة مناخها شديدة البرودة بفصل الشتاء و شديدة الحرارة بفصل الصيف .