" تفاجأت بحجم الإستنفار الأمني الذي يعيشه المغرب، فهذا لم يكن خلال السنوات الماضية، حيث أنني زرت المملكة أكثر من مرة دون أن أحس بأي خطر أو خوف، إلا أن هذا التواجد الكثيف لرجال الأمن يخلق نوعا من القلق الطفيف"، بهذه الجمل عبرت السائحة الألمانية "كاثرينا غ" عن الأجواء التي وجدت عليها المغرب خلال زيارتها الأخيرة، حيث أضافت "وجود الشرطة في كل مكان هو أمر مستحب ويؤكد على أن المغرب يحمي ترابه والمتواجدين فيه بكل طاقته، كما أنه يعتبر إنجازا رائعا يؤكد أن المملكة هي حالة استثناء في دول المنطقة، إلا أن هذا الأمر يقلق نوعا ما خصوصا بالنسبة لمن لم يعتد على رؤية مثل هذه الاوضاع من قبل".
وأوضحت "كاثرينا"، التي بدت مستمتعة بالمناظر الطبيعية المتواجدة بمدينة طنجة شمال المغرب ، "لقد قمت بزيارة عدد من المدن والقرى المغربية، حيث لاحظت من خلال ذلك أن الأمن منتشر بكثرة في مدن دون غيرها، خصوصا منها الحواضر الكبرى والسياحية بالإضافة إلى المدن التي تتواجد فيها المنشآت الهامة، وهو الأمر الذي جعلني أرتاح أكثر في القرى كونها ما زالت محافظة على رونقها وبساطتها المعروفة منذ الأزل".
وتسببت الأحداث التي تشهدها الدول المجاورة للمغرب، من عدم استقرار سياسي وهجمات إرهابية متكررة، في اتخاذ المملكة لتدابير جديدة تحمي بها حدودها البرية والبحرية، بالإضافة إلى نفوذها الترابي الممتد من الجنوب الإسباني إلى الشمال الموريتاني، وذلك عبر إحداثها لدوريات جديدة مشتركة بين الشرطة ورجال الدرك وعناصر الجيش، من أجل التصدي لأي مشكل أو طارئ قد يحدث، وهو الأمر الذي لم يتعود عليه لا السكان ولا السياح الاوفياء والجدد، حيث سبب هذا الأمر نوعا من القلق لديهم أثر بشكل أو بآخر على القطاع السياحي بصفة عامة.
ويرى السائح السوداني سر الختم الحاج، الذي قدم إلى المغرب لأول مرة، أنه ومن منطلق زيارته لأغلب الدول المتأثرة بالمشاكل والصراعات، فإن المملكة تعتبر جنة بالمقارنة مع ما تعيشه هذه الوجهات، حيث أن السياح أصبحوا يخافون الذهاب إلى كل من مصر وليبيا وحتى بعض الدول الأخرى المشهورة باستقطابها لهم، نظرا لعدم الإستقرار والخوف من حدوث هجمات مباغتة قد تعرض حياتهم للخطر، إلا أنه في المغرب الأمر مغاير تماما.
وأضاف سر الختم، أنه ورغم الإجراءات الأمنية المشددة، فإن ذلك أفضل بكثير من الوقوع في مشاكل أكبر وصراعات أخطر، حيث أن هذه المستجدات التي طرأت على النظام الأمني المغربي تعني أنه يهتم بسلامة مواطنيه وكذا السياح القادمين إليه من مختلف دول العالم.
من جهته أوضح لحسن حداد، وزير السياحة المغربي، إن التهديدات الأمنية التي تعاني منها المنطقة أثرت بشكل نسبي على تدفقات السياح إلى المملكة، حيث أن المؤشرات الحالية تكشف عن احتمال تراجع في تدفق السياح الأجانب على المغرب هذه السنة، رغم عدم وجود أي الغاءات للحجوزات السياحية، وأن الميدان السياحي شهد تأثرا كبيرا نتيجة الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة سوسة التونسية والتي أسفرت عن مقتل 38 شخصا وإصابة ثلاثين آخرين أغلبهم من السياح، مؤكدا في ذات السياق أن الأمر يهم منطقة المغرب العربي ككل وليس فقط تونس.
وأضاف الوزير، خلال عرض أمام المجلس الحكومي، أن وزارة السياحة المغربية انخرطت في عملية تقييم شاملة لتأثير هذه الأحداث، بهدف وضع برنامج سريع يعالج كل هذه التداعيات السلبية ويعمل على احتوائها، وذلك بغرض الوصول إلى الهدف المسطر، وهو رفع عدد السياح الزائرين، من 10 ملايين إلى 20 مليون خلال خمس سنوات.
أما يوسف الحضري، الخبير في المجال السياحي، فقد أكد أن تحقيق المغرب لمراتب متقدمة في التصنيف الذي أصدره المنتدى الإقتصادي العالمي بخصوص سلم التنافسية السياحية خلال 2015، لم يمنع التراجع الواضح في عدد السياح المتوافدين على المملكة خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، وهو الأمر الذي كشفته الأرقام الرسمية التي أكدت أن نسبة هذا التراجع وصلت إلى نصف نقطة مئوية ، فيما وصلت نسبة تراجع ليالي الحجوزات إلى نقطة ونصف في المائة، حسب نفس المصدر.
وأوضح الحضري، أن المملكة المغربية تحاول تسويق نفسها كواحدة من أأمن الوجهات السياحية في شمال إفريقيا، لما تحظى به من استقرار سياسي ويقظة أمنية، حيث لم تسجل المملكة أي أعمال عنف أو تفجير خلال السنوات الماضية، وذلك بشكل مباشر أو حتى غير مباشر، كإعلان السلطات الأمنية بشكل دوري عن تفكيك خلايا متهمة بعزمها تنفيذ هجمات إرهابية تستهدف منشآت حيوية، إلا أن هذه اليقظة لم تمنع المغرب من التأثر بجوارها المضطرب، خصوصا لما تتشارك فيه دول المنطقة من خصوصيات وثقافة وهوية، جعلها تؤخذ كلها في ميزان واحد.
ومع تأثر القطاع السياحي الذي يدر على خزينة المغرب مبالغ مهمة من العملة الصعبة تصل إلى أكثر من 7 مليارات دولار سنويا، وتساهم في تشغيل أكثر من نصف مليون عامل، يبقى السؤال المطروح بإلحاح، هو هل ستقوم المملكة باتخاذ إجراءات جديدة من أجل إعادة الوضع على ما كان عليه، أم أنها ستكتفى بالأعداد الحالية وسيبقى الأمر كما هو؟.