Print this page
04
كانون1/ديسمبر

المكياج .. علاج العنف ضد المرأة بالمغرب !

" تعرَّضي للعنف ، ثم ابتسمي و ضعي مكياجا واخرسي .." هذه كانت عبارة السيدة "رقية.م" ضحية عنف زوجي لمدة ست سنوات كاملة ، فضلت الإنعتاق لتنطلق في سماء الحرية و تصبح ناشطة بمركز استماع للنساء المعنفات..

 

بدت "رقية.م" مغتاظة جدا حين سألناها رأيها فيما عرضته القناة المغربية الثانية تزامنا مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، خلال حلقة من برنامج "صباحيات دوزيم" حيث ظهرت امرأة تحمل آثار ضرب مزيفة على الوجه، تصحبها خبيرة مكياج تقدم نصائح لإخفاء آثار العنف الذي تعرضت له...

 

تواصل السيدة "رقية": " ألا تعلم القناة أن العنف تم تجريمه بمواثيق دولية؟! ألم يفكروا للحظة بمشاعر تلك المعنفة القابعة بالمنزل تنتظر مواسيا أو معزيا أو مقدم حلول؟ بدل هذا يوصيها الإعلام الرسمي بالوصفة السحرية لإخفاء اللكمة ثم الابتسام ببساطة؟؟ أليس هناك كسر نفسي أعمق و أشد و لا مكياج له؟؟ هذه البرامج تمنح شرعية لممارسة العنف ضد المرأة، وتكرسه كظاهرة اجتماعية يمكن القبول بها والتعايش معها، لا أملك سوى أن أقول حسبي الله في الإعلام و ويلاته.."

 

قانون مناهضة العنف ضد النساء لم ير النور إلى اليوم

 

و للإلمام أكثر بتفاصيل الوضعية الحقوقية لنساء المغرب، ربطنا الاتصال بالسيدة "عائشة السكماسي" المديرة التنفيذية لجمعية "صوت النساء المغربيات" التي أشارت إلى أن المسار الحقوقي قطع أشواطا متقدمة، و ذلك بفضل الحراك النسائي و مشاركته في اقتراح مجموعة من القوانين التي تضمنها دستور المغرب لسنة 2011 ، إلا ان هذا المسار عرف انتكاسة مؤخرا، فقانون مناهضة العنف ضد النساء الذي تم اقراره في شهر مارس 2016، بعد أن بقي معلقا منذ اقتراحه سنة 2013؛ رغم محتواه الذي لا يتجاوب مع سقف المطالب الذي تقدمت به الجمعيات المغربية المدافعة عن حقوق المرأة، إلا أنه لم ير النور إلى حدود اليوم ولن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد مصادقة غرفتي البرلمان عليه و نشره في الجريدة الرسمية؛ و هذا ما لم يحدث خلال الولاية الحكومية السابقة إسوة بالعديد من القوانين الأخرى .. 

و أضافت السيدة عائشة، أن الحلقة التي عُرضت على القناة الثانية هي دعوة صريحة لتغليف الحقائق و الركوب عليها و تسويفها، لذا وجب التنديد بها، لما تحمله من مس خطير بالكرامة و حقوق الإنسان بشكل عام.

 

و سعيا لمزيد من التوضيح ربط فريق "صوت الكثبان" الاتصال بإدارة البرنامج و القناة و لم نحصل على رد أكثر من أن توترا و غضبا عارما يعتري "الإدارة" و لا أحد يريد الإدلاء بأي تصريح في هذا الإطار أزيد من البلاغ الذي أصدرته القناة في وقت سابق تعتذر فيه و تؤكد أن ما عُرض غير ملائم و لا يعدو كونه خطأ في التقدير بالنظر إلى حساسية وأهمية موضوع العنف ضد النساء، وأن هذه المقاربة تتناقض تماما مع الخط التحريري للقناة وميثاقها المبني على إعطاء قيمة بارزة لصورة المرأة من خلال التزام القناة منذ 27 سنة بالدفاع عن حقوق المرأة وهو ما تم الاعتراف به مرارا وتكرارا من طرف متتبعي القناة والمجتمع المدني.

 

و أكدت القناة في بلاغها أنها ملتزمةً باتخاذ جميع الاجراءات المناسبة في حق الاشخاص المسؤولين عن هذا الخطأ، مشيرةً إلى أنها ستدعم آليات المراقبة والتأطير حول هذا الموضوع.

 

شبه إجماع افتراضي على محاربة ظاهرة الإساءة إلى المرأة

 

هذه الضجة أثارتها مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت اليوم تلعب دور الرقيب و المفجر الحقيقي للقضايا وخالق رأي عام حولها، و في هذا الصدد يؤكد السيد "اسماعيل عزام" و هو صحفي مغربي مراسل موقع CNN بالعربية و مدون: "أن المواقع الاجتماعية بدأت تتبنى سلطة رقابية قوية على وسائل الإعلام وهذا أمر لم يحدث فقط مع فيديو الماكياج، بل تكرر كذلك مع عبارة "بغلة مغربية" التي جاءت في إحدى الجرائد وخلفت استياءً كبيرا.

 

 

هذه السلطة الرقابية التي يصطلح عليها في بعض المحافل بالسلطة الخامسة تبين عن وجود شبه إجماع افتراضي على محاربة ظاهرة الإساءة إلى المرأة، لكن هذا لا يعني أن المجتمع المغربي يساير هذه السلطة الرقابية الإلكترونية. فحالات العنف ضد النساء وفق ما تبينه أرقام الجمعيات النسائية لا تزال مرتفعة بشكل مهول حيث كشف مكتب الأمم المتحدة للمرأة عن تعرض حوالي مليونين و 400 ألف امرأة مغربية سنويا للتعنيف و التحرش بالأماكن العامة.

 

أما بخصوص القناة الثانية، سيكون من التجني اتهامها بمعاداة قضايا المرأة بسبب حلقة معزولة، لكن بشكل عام، الإعلام المغربي يعاني من عدم استيعاب ثقافة حقوق الإنسان وفق المنظور الدولي، ورأينا أكثر من مرة انتهاكات خطيرة، كضرب قرينة البراءة والتشهير بالناس، وهو ما يعود إلى غياب استراتيجية حقيقية لإصلاح الواقع الإعلامي."

 

يشار إلى أن حلقة "المكياج" خلفت استياء و غضبا عارما لدى شريحة واسعة من المجتمع المغربي، وشاعت كنار في هشيم، حيث تطرقت إليها خلال الأيام الموالية عدد من القنوات الإعلامية من مختلف أنحاء العالم.

 

منتنة ماء العينين