Print this page
06
كانون2/يناير

أسطورة شمهروش ملك الجن

بين جبال الاطلس الشامخة صمت طبيعي لا يكسرجموده سوى تغريدات الطيور و صدى صوت عجلات السيارات البعيدة التي تذوب في روحانية المكان لتصنع سمفونية متراصة النوتات، هذه الجبال الهادئة تحتضن في عمقها غموضا نوعيا وصاخبا بمجموعة من الاستفهامات ، سنأخدكم لهذا العالم لنسافر على بساط البحث بين الواقع والعلم والتخييل عالم الغرائب و العجائب، هنا مقام ملك الجن "شمهروش "، أو لِنَقُلْ هكذا يقول أتباعه والمؤمنون بهذه الحكايات.

انطلقنا من مدينة مراكش. سارت بنا السيارة مسافة طويلة زادت عن خمسين كيلومترا، لا نرى شيئا سوى الجبال المتسلسلة والطريق الوعرة التي استنزفت قوانا وشيئا من حماسنا. وصلنا منطقة امليل وهي قرية صغيرة وسط جبل توبقال الشهير، بعدها نزلنا من السيارة لنمتطي صهوة البغال ونقطع أي صلة بالحداثة بما فيها هواتفنا النقالة التي غابت تغطيتها و كأننا سافرنا عبر الزمن. مسالك وعرة قطعناها وافواج من مرتادي المكان التقيناهم على الطريق. بعد حوالي ساعة من السير صعودا نحو مقام شمهروش، اصبحت الرؤية شبه منعدمة.

وبعد ساعتين اخرتين بدأنا نلمح بيوتا بسيطة تلتف حول قبة بيضاء كبيرة نصبت فوقها أعلام بيضاء وخضراء وصومعة صغيرة نوعا ما تسمى بلاط سيدي شمهروش. اقتربنا نحو الهدف وبدأنا نلمح اسراب الغربان تمر من جانبنا بين لحظة واخرى. هي نفسها الغربان التي يعتقد الساكنة أنها مسكونة بالارواح الشريرة. نوع من القشعريرة تصيب بدننا. نكاد لا نسمع شيئا سوى خرير مياه نهر صغير.

وجدنا الحاج أحمد، أحد ساكنة المكان في الاستقبال فبدأ يسرد لنا قصصا تجمع على قدسية المكان وروحانيته وقدرة ملك الجن الخارقة باللغة الامازيغية و تخترقها بضع كلمات بالعربية استصعب فهمها : " هذا المقام نتبرك منه، هنا المحكمة الكبرى والعليا للجن، وسيدي شمهروش جن حي وليس بالميت.."

ونحن نتمشى أطلقت تلك الغربان السوداء التي لا تفارق المكان صوتا فجا وغريبا يرعب الانفس التفت الحاج أحمد الينا معلقا : " تلك الغربان مسكونة وتحمي هذا المقام، لا تخافو فهي لا تؤذي ".

فجأة لمحنا يافطة مكتوب عليها " للمسلمين فقط " فكان رد الحاج أحمد على الموضوع : كما سبق وقلت هذا المكان جد مقدس، وبالرغم من كون الفضول لا يمنع الاجانب غير المسلمين من القدوم ومنهم من يعرض علينا اموالا باهضة مقابل الدخول للاكتشاف لكن نرفض دائما، فهذا المكان يعرف قدوم سبعة ملوك من الجن المؤمنين الذين يعبدون الله وكل يوم يخصص لواحد فيهم. لايمكننا خرق القوانين وهذا مكان لا يدخله سوى المطهرون ".

مقام " شمهروش " الذي فاقت شهرته حدود القارة الافريقية كنا نظنه قصرا او صرحا عاليا ولكن فوجئنا عن كونه مجرد صخرة كبيرة وجدران متصدعة تكتسي طابعا دينيا من خلال الايات القرانية المكتوبة وايضا الادعية الاسلامية، تحت الصخرة نجد قبرا مغطى بثوب أخضر وتحيط به شموع بيضاء طويلة.

قرب قبة مقام ملك الجن " شمهروش " نجد مذبحا مكسوا بالدماء ومنها اثار حديثة، فهنا تذبح القرابين التي يجيء يها الزائرون لملك الجن، هذه القرابين التي تستهدف اخراج الجن من مسكنه الادمي يعني الجن الذي يسكن الناس، وبعدها تعقد محاكمة الجن بمقام شمهروش، الذي تتلحف بها مغارات اخرى صغيرة سوداء بسبب دخان الشموع التي يشعلها رواد المكان وتعتبر طقسا من طقوس زيارة هذا المقام حسب الثقافة الشعبية المغربية.

دخلت امراة بلهفة مفرطة وفجأة سقطت ارضا و بدا صوت داخلي غريب يصدر عنها فقال السيد احمد : " انها عظمة سيدي شمهروش انظري، المراة يسكنها جن أفريقي ويأبى مغادرتها، هجرها زوجها و أولادها بسبب هذا الموضوع وهاهي اليوم اتت لتحاكمه في مقام سيدي شمهروش الذي لن يرحمه فهو دائما ينتصر للحق "

لم أكد استحمل المنظر فهرعت بالخروج، ولم نتمكن من حضور المحاكمة التي و حسب مرتادي المكان تصحبها طقوس و اجواء استثنائية بما فيها رعد وبرق وان كانت الحرارة تتجاوز في نسبتها 40 درجة.

ايطو امرأة تبلغ 67 سنة صرحت لنا : " لقد قدمت من جنوب الجزائر و تحملت أعباء السفر فقط للتعرف على ملك الجن و أرجو قدرته ليخلصني من الجن الذي يسكنني من سبع سنوات وأصبح ينهكني الموضوع جسديا وانا في هذا العمر "

قد نكون وصلنا القرن 21 وما يرادف ذلك من تقدم فكري و ثقافي وتكنولوجي، ومع هذا نجد أنفسنا توابع لمعتقدات لا أساس لها من الصحة، معتقدات بلغت من الجهل عتيا في بلد لا زالت الامية تنخر فيه حتى باتت من اكبر مصائبه، هذه المعتقدات التي يمكن اعتبارها بمثابة الثقل الذي يجر أي محاولة تقدم الى باطن القاع.

علي شعباني دكتور في السوسيولوجيا قال لنا في تصريح : المسألة اليوم باتت مرتبطة بثقافة الشعوب العربية والمغاربية المستنبطة من اعتقادات دينية فتحولت من مسألة اعتراف الدين الاسلامي بوجود الجن الي معتقد وثقافة، فباتت ثقافة مجتمع ، الجن موجود ولكنه لا يؤثر بالانسان، وزيارة شمهروش مثلا والاعتقاد بملك الجن ومحكمته وعرض الناس قضاياهم عليه هي تأثير لثقافات كانت سائدة من زمان ومرتبطة بكثير من الاوهام والاساطير التي لا اساس لها من الصحة في الواقع لأنّ ما هو حقيقي هو الفعل الذي ينتج عن عقل الانسان وان يكون فعلا عقلانيا ينسجم مع المنطق و الواقع. كما أنه للأسف، المشعوذون والدجالون لا يزالوا يستحوذون على عقل الناس بهذه الطريقة لسلب أموالهم وباتت هذه الثقافة من المسلمات التي لا تقبل التشكيك في صدقها.