Print this page
22
شباط/فبراير

مدينة إيموزار تحتضر... سياحة البسطاء في خطر

هي بوابة الأطلس المتوسط من جهة مدينة فاس وسط المغرب، هنا لُقِّب السكان عبر التاريخ بـ"مرودي الفهود"، هنا، حيث لا يتوقف الماء عن الجريان عبر قنوات تصل أطراف المدينة من شرقها إلى غربها وشمالها إلى جنوبها. إنها "إيموزار الكندر"، عاصمة السياحة الجبلية "الرخيصة"، في الوقت الذي تكلف الإقامة قرب جاراتها "إفران" و"أزرو"، ضعف ما تكلف فيها وأكثر.

تبعد مدينة إيموزار عن العاصمة العلمية للمغرب فاس نحو 40 دقيقة، والوصول إليها مضمون عبر سيارات الأجرة الكبيرة، كذا حافلات النقل الطرقي. و تكتظ المدينة الصغيرة الهادئة بمساكن هيئت خصيصاً للنشاط السياحي، تزاحمها مخيمات صيفية وشتوية خاصة بكبريات الشركات المغربية، منها من تجاوز عمرها نصف قرن، ومنها من رممت أو شيدت منذ مدة قصيرة، وهذا دليل حسب أهل المدينة على أنها توفر ما لا يوجد في غيرها.

لكن أشياء كثيرة تغيرت مؤخراً. اختفى نصب الفهد الكبير الذي كان يتوسط الشارع الرئيسي قرب مبنى البريد، والذي كان يستقبل زوار مركز المدينة، ويمنحهم دليلاً مجسدا على تسمية "مرودي الفهود" التي توارثها رجال المدينة ونسائها و تذكارا لتراث محاه الزمن اليوم.

غير بعيد عن مكان اختفاء نصب الفهد، تحولت البركة المطلة على الجانب الآخر من الطريق، إلى فضاء منفّر لا يغري بالجلوس فيه، كراسي تصارع جريان الماء للبقاء منتصبة. أرض قاحلة واسعة لا نبات ينمو فوقها، رغم توفر أصل الحياة هنا بوفرة، بل خريره يسمع على بعد خطوات قليلة من المكان.

"لم تعد إيموزار كما كانت. تغيرت أشياء كثيرة، نظام الحفاظ على جمالية مناظرها، ورونق ساحاتها وأزقتها اختفى بشكل مخيف"، الحديث هنا للشاب علي، وهو أحد أبناء المدينة الذين يحترفون كراء الشقق المعدة للاستقبال السياح.

أوضح علي لـ"أصوات الهضاب"، أن إيموزار تقدم عروضاً سياحية تتوافق مع جميع الفصول، لكنها بالمقابل لا تتوفر على الحد الأدنى من البنية التحتية يجعلها ترتقي لمستوى هذه الأنشطة.

لكن من جهة أخرى ودائما حسب المتحدث ذاته، يمكن أن تجد شقة تتوفر على جميع ظروف الراحة، غرف للنوم، غرف الضيوف، حمام، مطبخ مجهز... كل شيء تركه المسافر في بيته، يجده هنا كي يستمتع بعطلته. وعن السعر مقابل الليلة الواحدة، قال علي "كراء شقة لليلة الواحدة يبدأ من 100 درهم (10 دولارات أميركية) حتى 300 درهم (30 دولار أميركي)، وهو سعر مقارنة بما هو متوفر داخلها، ومقارنة كذلك بأسعار الفنادق والشقق في كل من "إفران" وأزرو" رخيص جداً".

ويتحسر علي، بنظرة تظهر رجوع ذاكرته إلى زمن غابرتدهور الوضع البيئي فيها، دون أن يفقده ذلك شيئا من حبه للمدينة.

و غير بعيد عن مركز المدينة، يكفي أن تتّبع منعرجات الطرقات التي توفر لها أشجار الأرز الشاهقة الظل على مدار اليوم، حتى تصل إلى بهاء "إيموزار" ومفخرتها التي تستقطب السياح أيام العطل وغيرها ، و خاصة منهم أبناء المغرب، الذين مروا يوماً على المدينة أطفالاً مستفيدين من أحد مخيماتها الصيفية. إنها "عين السلطان"، منبع ماء يجري على مدار السنة كلها... قد تحبس السماء غيثها عن الأرض، لكن عيون الماء هنا لا تمنع أبدا عن قاصدها ماءها العذب.

يقول سعد الزريدي، أحد الزائرين لـ"أصوات الهضاب" : "لم يكن الحال هكذا" قبل أن يضيف : "عين السلطان تغيرت كثيراً، كنا نستطيع السباحة هنا تحديداً لكن، أنظر الماء متسخ، والحجارة متراكمة في القاع، حتى الطحالب الطفيلية وجدت الظروف المناسبة لتجتاح المكان". هو حقا مشهد لا يسر الناظرين : علب بلاستيكية، وأخرى خاصة بالمشروبات الغازية، بقايا طعام و قاذورات تطفو فوق الماء و تثير القرف.

كانت "عين السلطان" فيما قبل تعد متنفس المدينة الشاسع و مقصد الباحثين عن الاستجمام والاسترخاء، ومقصد من يرغب في تنفس هواء عليل، نقي، سواء اختار المشي أو ممارسة الرياضة، لكن وللأسف، تحول كل هذا إلى حلم صعب المنال، كما يشهد على ذلك مشهد "العين" التي وقف عليها مراسل "أصوات الهضاب".

و من جهة أخرى، لا تُعد "عين السلطان" مكانا للاستجمام فقط، بل هي كذلك مورد رزق أكثر من 20 عائلة، حسب ما لاحظه الموقع حين زيارته لها و هي تعرف حركية هامة أيام نهاية الأسبوع، أو خلال فترات العطل الدراسية وسط السنة.

زهرة إدريسي هي واحدة من النساء اللاتي يمارسن نشاط بيع المأكولات المغربية، وعلى رأس قائمتها الطاجين. هي تتأسف على مجد "عين السلطان" الغابر و تقول : "كانت توافد الزوار من أبناء المغرب كثيفاً في السنوات الماضية، لكن مع ما باتت تعرفع من انحدار لم تعد تستقطب عشاقها كما في السابق". وتضيف زهرة الإدريسي، لـ"أصوات الهضاب"، أن مصدر رزقهم الوحيد هو خدمة زوار مدينة "إيموزار" وتحديداً "العين"، وتقديم المأكولات وكؤوس الشاي المغربي لهم. فكم هو الدخل اليومي لزهرة ومن يحيطون بها من نساء وأطفال يساعدون في كل شيء؟

تجيب السيدة البالغة من العمر (55 عاماً) " خارج أشهر الصيف، وخلال أيام العطلة الدراسية نبيع ثلاثة أطباق فقط من الطاجين في اليوم، سعر الواحد ما بين 30 و40 درهماً (ما بين 3 و4دولار) بالإضافة إلى ابريق شاي، سعره لا يتجاوز 10 دراهم (دولار واحد)". أي أن الدخل اليومي، دون طرح المصاريف وأعباء نقل كل مستلزمات الطبخ والتنظيف، لا يتجاوز 200 درهم في اليوم (20 دولاراً). و تجدر الإشارة إلى أنه من بين أبرز مظاهر البساطة في ضيافة مستثمري "سياحة البسطاء" بـ"العين"، أن كل شيء يعد فوق نيران الحطب و تقدم المأكولات فوق حصير يمتد قرب مجرى الماء.

وما إن يحين وقت الغذاء، تخرج من حيث لا ترى فتاة صغيرة شهباء، بعيون صفراء أقرب لون الشمس حين تُشرق، تحمل بين يديها علبة كارتون أكبر و أثقل من أن يقدر ظهرها الصغير على حملها دون أن يتقوس من جراء وزنها. تتجول بعلبتها الممتلئة بين "المطاعم الشعبية" هنا لتبيع خبزا أعد يدويا و طهي في فرن المنزل التقليدي.

نادية، هذه الطفلة التي تتابع دراستها في المستوى السادس ابتدائي، تقول أنها تبيع الخبز لتساعد عائلتها في كسب قوت العيش، و يساعدها في ذلك أخوها الصغير، الذي بالكاد يمكن أن ترى جسده الصغير من خلف علبة الخبز التي تفوقه طولاً وعرضاً. لا تعرف نادية شكل العطلة ولا طعمها، كل ما تعرفه هو بيع الخبز لا غير، كما تقول بعفويتها الطفولية لـ"أصوات الهضاب".

و مثلما تتضرر إيموزار وأيقونتها "عين السلطان" من تراجع الاهتمام بها، خاصة البيئي، يتضرر معها البسطاء من أهالي المدينة الصغيرة في كسب قوتهم، ويتراجع دخلهم الذي لا يتجاوز بضع دراهم... كيب هزيل مقارنة مع ما تمنحه الطبيعة هنا بسخاء من بهاء الجبال التي تضمها، وجريان مائها عبر القنوات في كل شبر، وهوائها النقي المسكر الذي يلفك صباحا مساء.

Media

{YouTube}https://www.youtube.com/watch?v=5OTwEosiFA4&feature=youtu.be{/YouTube}