Print this page
04
نيسان/أبريل

"الخدامة" في ايموزار : تعب كلّها الحياة

يحجون إليها من كل أزقة ونواحي مدينة "إيموزار". يقفون هنا في صفوف غير متراصة، وأعينهم ترصد كل عربة كبيرة تركن بالقرب منهم، في انتظار أن يصيح سائقها أو مرافقه، باحثا عن عمالة لتعمل طيلة اليوم في الحقول الفلاحية.

الساعة الخامسة صباحاً، برد قارس، وشوارع خالية إلا من الباحثين عن قوت يومهم، الذي يفرض عليهم الاستيقاظ باكراً، ثم الرباط على جنبات الساحة المركزية للمدينة، والبحث عن من يوفر فرصة عمل تبدأ في الساعات الأولى من الصباح، وتنتهي مع غروب الشمس.

التقى "أصوات الهضاب" نادية (ب)، عند مدخل محل يوفر وجبات الفطور لهؤلاء، يظهر من وجهها العينان فقط، وهذا هو حال جميع النساء اللاتي يقبلن على العمل في الحقول الزراعية.

قامة قصيرة، عيون صفراء بلون الشمس، وخجل حين الرد على أسئلة الموقع، تعبر عنه بطأطأة رأسها كلما صاغت كلمات الجواب عنها.

تقول نادية (26 عاماً)، إنها تعمل في الحقول منذ أن كانت مراهقة، ولم تسعفها ظروف عائلتها الاقتصادية والاجتماعية على اكمال دراستها، لذلك اختارت أن تساعدهم على تسديد نفقات الحياة.

كم تتقاضين في اليوم؟ تجيب نادية "لكل يوم حصيلته، حسب ساعات العمل، وحسب كرم ربه. لكن في المتوسط لا يتجاوز المدخول اليومي بين 60 و100 درهم (ما بين قرابة 6 و10 دولارات)".

تشتكي نادية من حيف بعض أرباب العمل، الذين يُقدم بعضهم على إجبارهم بتأجيل نيل مستحقاتهم لقاء عرق يومهم حتى موعد آخر، ولا يجدون غير قبول عرضه، خوفاً من فقدان أحد مصادر رزقهم، أو تشويه سمعتهم بإطلاق إشاعات حولهم. وعن فحوى هذه الشائعات، تجيب نادية بتردد كبير، وبعد إلحاح، "هناك من تقبل مضطرة للرضوخ لنزوات مصدر رزقها، ومن فعل ذلك، تحصل على مقابل في الأول، لكن بعد ذلك، تصبح مثل العبدة لأقاويل الناس، وتلتصق بها تهمة بيع جسدها، لذلك ينفر منها الجميع، خوفاً من اتهامهم بدورهم بذلك في مكان صغير تنتقل فيه صورة كل واحدة وواحد منا بسرعة".

وليست النساء وحدهن هنا من يتعرضن للاستغلال في العمل بالحقول بطرق أو بأخرى، وإن كانت معانتهن أكبرن فإن للرجال نصيبهم منها.

توجه "أصوات الهضاب" تجاه حلقة من رجال مجتمعين بالقرب من إشارة مرورية، كانوا خمسة، من بينهم محمد (م)، الذي قبل برواية شهادتهم عن ظروف عمل من يسمونهم هنا "الخدامة".

وتحدث محمد للموقع بحسرة وغضب تجاه واقعهم، فهو واحد من قدماء العمل في الفلاحة بالمنطقة، وصاحب تجربة عمرها حسب شهادته 40 عاماً.

يروي محمد أن فرص العثور على عمل داخل الحقول الزراعية قلت كثيرا.

محمد أب لأربعة أطفال، وزوجته كما قال مريضة من عامين، ما جعل مصاريفه تثقل دون أن يجد مصدر رزق بعيدا عن نشاطه الفلاحي الموسمي. لأن السنة الفلاحية في المغرب هذا العام شهدت جفافاً حاداً، يتابع محمد أن "بعض ملاك المزارع أصبحوا يختارون العمل بمفردهم في جني وقطف المحاصيل الزراعية التي تنتج في فصل الشتاء، ما يُحرم على المئات من (الخدامة) فرصة الهجرة اليومية نحو الحقول الزراعية".

وعن أهم المناطق المحيطة بمدينة "إيموزار" المعروفة بهذا النوع من النشاط الفلاحي، الذي يرتكز على عمل "الخدامة"، يوضح محمد أنها كل من "أيت عواد"، و"سبع شغال"، و"الحوض" و"أي تعوا"، بالإضافة إلى منطقة "ركادة".

يكتري محمد بيتاً صغيراً مقابل 650 درهم شهرياً (حوالي 67.60 دولار أميركي)، وأصبح عاجزاً مدة عن تسديدها في وقتها، بسبب انحصار النشاط الزراعي في المنطقة، خاصة هذا الموسم، الذي أمسكت فيه السماء أمطارها عن المغرب.

تخف الحركة بالساحة ما أن تبدأ الشمس في الشروق ظاهرة من وراء جبال المنطقة، ويركن الرجال إلى جوانب أسوار البنايات للاستراحة من الوقوف لساعات في انتظار فرج الحصول على عمل، فيما تختار النسوة التحلق حول موائد محلات بيع وجبات الأكل، وهن يطلقن ضحكات تسمع خافتة من وراء حجاب.

فيما يصعد من غنموا يوم عملهم إلى عربات ضخمة، ليشدوا الرجال نحو الحقول الزراعية، في انتظار ما سيجود به ملاكها لقاء يوم عمل قد يمتد لأزيد من 14 ساعة في اليوم، دون أن تكون للساعات الإضافية، حسب شهادة "الخدامة" قيمة ترفع من عدد الدراهم التي يحصلون عليها.