Print this page
15
نيسان/أبريل

الشك والحذر، سلاح المواطنين المغاربة في محاربة الإرهاب

"حياتنا طبعا تغيرت، أصبحنا أكثر حيطة وحذرا في تعاملاتنا اليومية سواء في البيت أو في الشارع، كما أننا لم نعد نهتم فقط بأخبار دولتنا بل غدونا نتابع الحوادث التي تقع في كل الدول، راجين أن لا نكون مثلهم في يوم من الأيام"، هكذا عبَر ربيع ع وهو يصفف كراسي المقهى التي يعمل نادلا بها، عن تأثر حياة المواطنين بالمغرب مما يقع في الدول المجاورة، والتي أصبحت تتفاقم يوما بعد يوم بسبب تنامي الفكر المتطرف وانتشاره في أغلب بلدان المنطقة.

"رغم الجهود التي تبذلها المصالح الأمنية بالمغرب من أجل الحفاظ على الأمن والأمان، إلا أننا لم نعتد على مثل هذه الأمور، فكلما وقع تفجير في منطقة عربية أو أجنبية ما إلا واهتزت قلوبنا معه، خصوصا وأننا نعلم أن عددا كبيرا من معتنقي هذا الفكر هم مغاربة مثلنا تربوا معنا في نفس البيئة، إلا أنهم إختاروا مسارات ضد الإنسانية"، يضيف ربيع.

المغرب بدوره كان من بين الدول التي تأثرت بالإرهاب، فرغم أن الحوادث تقع بعيدا عن ترابها وفي مناطق مجاورة، إلا أن ذلك إنعكس سلبا على المواطنين، اللذين أصبحوا أقل ثقة في محيطهم، ومرتابين من أبسط الأمور حتى من جيرانهم أو بعض أقاربهم، وهو الأمر الذي لاحظه البعض واعتبره أمرا مبالغا فيه، في لم يعره آخرون اهتماما، نظرا لكونه شيئا عاديا وطبيعيا في مثل هذه الظروف.

وأكدت زكية س ، التي تشتغل كمستخدمة في إحدى البنوك ، في هذا السياق "أن الخوف أو القلق البادي على أوجه المواطنين في المغرب هو أمر عادي وطبيعي، وهو ما يجعلنا نعيش في أمن وسلام، فلو عاش كل منا بطريقة عادية كما كان الأمر في السابق لما استطعنا إيقاف عدد كبير من المجرمين والمتربصين بسلامة المغرب ومواطنيه".

وأضافت زكية، "عدد كبير من الإخباريات التي تصل إلى رجال الشرطة وتؤدى إلى اعتقال بعض الأشخاص ممن يخططون لزعزعة الإستقرار، هي شكايات من طرف مواطنين تخلوا عن ثقتهم ونيتهم الحسنة، وانصاعوا إلى نزعة الشك التي بداخلهم، والتي تحركت بمجرد رؤيتهم لسلوك مريب من طرف جارهم أو قريب لهم أو حتى شخص عادي يمر في الشارع، فلولاهم لما كنا على ما نحن عليه الآن".

أما عادل ش ،وهو تقني متخصص في الحواسيب، فيرى أن الأمر مبالغ فيه قليلا، حيث أكد "لا ضرورة لكل هذا الخوف والهلع الذي يصيب المواطنين فور رؤيتهم لشخص ملتحي أو مريب يمر أمامهم، حيث أن هؤلاء عليهم أن يعيشوا حياتهم بصورة عادية، وأن يتركوا أمر القبض على أي كان للشرطة أو لأجهزة الأمن، التي تتوفر على وسائل عديدة من أجل التوصل إلى هوية المخربين دون الحاجة إلى تدخل من أحد".

وفي نفس السياق يضيف عادل، "أنا أعلم أن الأوضاع في الدول المجاورة ليست على ما يرام، لكن هذا لا يمنعني من ممارسة أنشطتي اليومية وعيش حياتي الطبيعية كما يحلو لي دون تدخل مني في أحد، أو تدخل أحد في، وهذا ما يسمى حرية وهو ما يساهم في تقدمنا وبالتالي محاربتنا لجميع الظواهر، حتى أخطرها على الإطلاق".

ويرى محمد الموساوي، الأستاذ في علم الإجتماع، أنه وعقب المتغيرات الاجتماعية التي لحقت مؤخرا بحياتنا، والتحولات في المفاهيم وأساليب العيش والتعاطي مع أنماط العيش وتفاصيل الحياة، فإن الشك تحول من سلوك غير اعتيادي يقود صاحبه الى مواقف محرجة مع الاخرين، تنتهي بالعزلة والابتعاد عنهم، إلى سلوك شبه عام يتوافق عليه الجميع لما يحققه من مصلحة تنعكس على حياة المجتمع بأكمله، يلقى إشادة وتقديرا من طرفهم.

ويوضح الموساوي، أن الشك بطبيعته هو سلسلة مستنبطة لنتائج خاطئة تماما يؤمن بها البعض من الافراد ولا يستطيعون الحياد عنها، أي انهم يؤمنون ايمانا مطلقا بما يعتقدون حتى كاد الفرد ان يصدق شكوكه وربما صدقها فعلا، وانه لايمكن ان يتزعزع او يعدل من شكوكه نحو الاخرين او بمن يشك، وهو أمر شبه مرضي قد يؤدي إلى الاكتئاب والعيش في عذاب متواصل نظرا لعدم قابلية وضع الثقة في أي كان حتى أقرب الناس.

وأضاف الأستاذ، أن الاختلاط الواضح بين العوامل الانفعالية الآنية للشخص وبين الحكم الموضوعي الذي يفقده هو ما يجعله ينجح في تبرير كل ما يصدر عنه من تصرف او سلوك، إلا أن هذا قد يصيب في بعض المرات وهو ما نراه من أن لآخر، حيث يساهم البعض بواسطة شكهم في إنقاذ أرواح كثيرة كانت قد تهدر في حالة ما لم يشك الشخص في الآخرين.

وبهذا الخصوص، أكدت إحصائيات شبه رسمية صدرت عن جهات أمنية، أن أزيد من 75 في المائة من حالات إلقاء القبض على مجرمين أو أشخاص من ذوي الميولات التخريبية، هي عمليات تمت بناء على إخباريات أو وشايات تقدم بها مواطنون عاديون، وهو الأمر الذي ساهم في الحد بشكل كبير من الأنشطة الإجرامية بصفة عامة.

وأضاف المصدر ذاته، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن هذه الإخباريات تعتبر جد مهمة في العمل الأمني حيث أنها تؤدي إلى إيقاف الفعل الجرمي في مهده وقبل حدوثه، مما يجعلها آلية فعالة في تطبيق السياسة الجنائية والتي تتوخى القضاء على مكامن الخلل من جذوره عوض السعي إلى إصلاح آثاره ومخلفاته.

وبين من يعتبر الحالة التي أصبح عليها المواطنون سلوكا مرضيا وغير مقبول بالمرة، ومن يراه بطولة تساهم في إنقاذ المئات من الأرواح بأفعال بسيطة، يبقى المغاربة آملين أن تبقى بلادهم في منأى عن هذه الصراعات التي تساهم في تخريب حضارات والقضاء على جميع مظاهر الإنسانية والتسامح.