Print this page
16
تموز/يوليو

شبح الهدر المدرسي يلاحق أطفال الجبال المغربية

مع نهاية العام الدراسي الذي تُوج بحفلات مدرسية متفاوتة الكلفة ، نستطيع ان نتخيل حالة الفرح التي عمت الكثير من العائلات ولكن هناك بعيدا عن دنيا الواقع المر يعيش متمدرسون أٌقل حظا او بدونه، في المناطق المنعزلة النائية، يمسحون حزنهم الغائر بابتسامة خجولة وهم ينتعلون جوارب ممزقة و احذية بلاستيكية لا ادري ان كانت ستحمي اصابعهم الصغيرة من البرد ام من هذه الاشواك القاهرة، هؤلاء يمشون لكيلومترات طويلة بعضهم محمل بمحفظات ثقيلة اغدقت عليهم بعض الجمعيات بها والبعض الاخر الادنى حظا يحمل كراريسه وكتبه في اكياس بلاستيكية،هكذا هم يعانقون الشمس الحارقة صيفا و يجابهون قسوة البرد شتاء

كلما غصنا في الجبال اكثر كلما اشتدت وعورة الطريق وابتعدنا عن الحضارة اكثر فأكثر، وتقلصت البنيات الاسمنتية وازدادت شساعة الكون تماما كما الالام ..

هذه التضاريس ، لن تكون اشد قساوة من واقع حتم على هؤلاء الاطفال ان يعيشوا قدرا سيء الطالع، في مدارس مهترئة وبنية تحتية آيلة للسقوط، وفي غياب تام للمرافق و التجهيزات الضرورية ووسائل النقل للوقوف في وجه واقعهم ويحققوا حلمهم المشروع أي استكمال الدراسة دون الاضطرار لمواجهة شبح الهدر المدرسي الذي يعانيه المغرب منذ زمن ولا زال يستفحل في كل جوانبه والنتيجة ان الجهل و الامية تنخر فيه مما يفسر هذا التراجع ونسبة 28 بالمئة فبالرغم من كل الجهود المبذولة لازال المغرب يتخبط في هذه الارقام المحبطة

قبل شهور تسببت حادثة سير خطيرة على الطريق الرابطة بين جماعة مصيصي وفزو اقليم تنغيرجنوب المغرب في مقتل تلاميذ وجرح اخرين بعد اصطدام سيارة خفيفة بشاحنة كان على متنها 40 تلميذا، الضحايا كانوا في رحلة العودة إلى دواويرهم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع بين أهاليهم، وأمام غياب النقل المدرسي اضطروا إلى ركوب الشاحنة ، التي تعمل في نقل المعادن في المنطقة.

هذه الحادثة التي طرحت مجموع استفهامات واعادت النقاش الدائر حول وضعية التلاميذ في العالم القروي وظروف دراستهم، والعوائق التي هم مضطرون لمجابهتها من اجل ابسط حقوقهم

" أريد ان اصبح معلما " هكذا اجاب محمد الذي يبلغ 9 سنوات عن سؤالنا ما الذي تريد ان تكونه حين تكبر قبل ان يستدرك بنبرة جد حزينة ويكمل " لكن هذا غير ممكن، يجب ان اساعد عائلتي و اعمل في الرعي مع ابي لا يمكن ان اكمل دراستي لأنه اصلا لا نتوفر الا على خمس اقسام ابتدائية ولا ندرس الا مرتين او ثلاث في الاسبوع كون المعلمين لا يأتون الى هنا كثيرا نظرا لظروف قريتنا التي لا تسمح لا في البرد و لا في الحر، نحن نقطع طريقا طويلا كل يوم كي ندرس و احيانا كثيرة لا نجد مدرسين فنعود ادراجنا لبيوتنا "

محمد كان بجانبه طفل اخر هما الاثنان من قرية " اكدال " في الاطلس الكبير نواحي مدينة ازرو، ويضيف علي الاصغر من محمد بلهجة صارمة " يستحيل ان نستكمل دراستنا في هذه الظروف انا احلم بأن اصبح طبيبا ولكن قبل ذلك يجب ان أرحل من هنا "

ويقول زكريا جبار الفاعل الجمعوي في نفس المنطقة : " هناك جهود يبذلها المغرب في السنوات الاخيرة لمحاربة الهدر المدرسي، لكن تبقى جهودا نسبية لم ترقى بعد لمستوى ضمان الحق في التعليم لأطفال العالم القروي ككل..على الدولة ان تضع يدها في يد المجتمع المدني لتحقيق ذلك وبذل مجهود اكبر لمحاربة الهشاشة و الفقر التي تعانيها هذه المناطق و التي تساهم بشكل فعلي في استفحال الظاهرة "

" المدرسة بعيدة و لا يمكن ان يبعثني ابي كل يوم لأمشي كل هذه الكيلومترات، بالنسبة لهم انا فتاة ومعرضة للخطر، كما ان مستوانا المادي ضعيف لا يستطيع والدي ان يؤمن لنا مستلزمات الدراسة انا و اخوتي.." هكذا عبرت زهرة عن حقها المشروع الذي بات حلما بعيد المنال، زهرة الان تساعد أمها في أشغال البيت بقرية انمل التي تبعد 70 كيلومتر عن مدينة ميدلت

العالم القروي المغربي يخفي في اغواره الكثير الكثير، قصص معاناة مختزلة في ابتسامة غابرة صادقة تكاد لا تفضح حزنها، الدولة و المسؤولين عن قطاع التعليم وكذا المجتمع المدني يعمل على ملف محاربة الهدر المدرسي لكن بشكل لم يفعل ولم يصل الى مستوى الاصلاح الشامل ..ولازال الامل يلازمنا في مغرب افضل الى ان يصير حقيقة

ويطالب عدد من المهتمين بالقطاع بإيلاء أهمية أكبر لهذه الظاهرة ورصد التلميذات المهددات بالانقطاع عن الدراسة في القرى وتقديم الدعم لهن وإعادة توجيه سياسة الدولة التربوية في هذا المجال باعتبار أن التعليم هو حق من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الجنسين على حد سواء.