مرجع حالة "البلوكاج"، تختلف حوله الآراء في المغرب، بين فريق يرى أن عددا من الأحزاب (التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري، الاتحاد الاشتراكي) تقف "ضد الإرادة الشعبية ونتائج انتخابات 7 أكتوبر التشريعية" التي تصدرها حزب العدالة والتنمية بفوزه بـ125 مقعداً.
بينما يرى فريق آخر، أن رئيس الحكومة المعين "لا يرغب في تعددية حزبية وحكومة تضم أكثر من حزب" متهمين حزب العدالة والتنمية بأنه "يحاول أن يمسك البلاد ودهاليزها بمنطق الولاء للجماعة وليس للدولة".
أكثر من مئة يوم، هو عمر المشاورات الحكومية، التي حسم بنكيران تحالفاته تجاهها، باستبعاد أي تحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، ثاني قوة برلمانية، وترك الباب، أول الأمر، مفتوحاً أما كل من حزب الاستقلال الذي حل ثالثاً في الانتخابات، فضلاً عن أحزاب التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي، فيما كان حزب التقدم والاشتراكية ضمن الأغلبية الحكومية المرتقبة قبل الانتخابات التشريعية المغربية، بعدما صرح بنكيران، إن حزبه وحزب نبيل بن عبد الله "إما معاً في الحكومة أو خارجها".
ولم تأت النتائج كما توقعها بنكيران، بعد تكليفه من طرف العاهل المغربي محمد السادس، إذ أدخلته حسابات سياسية نفقاً لم يخرج منه إلى اليوم.
ومن بين العوائق التي عرقلت تشكيل الحكومة، عدم حسم حزب الاتحاد الاشتراكي مشاركته فيها، إذ أن الكل توقع تشكيل حكومة من حزب العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات زائد أحزاب الكتلة الديمقراطية التاريخية (أحزاب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية).
لكن وصول وزير الفلاحة والصيد البحري ورجل الأعمال القوي بالمغرب إلى منصب رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار، وما رافقه من انضمام البرلمانيين عن حزب الاتحاد الدستوري إلى فريق حزبه، خلط جميع الأوراق، لأن التحالف الأخير جر إلى صفه، كل من حزب الحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي، لتنهار بذلك توقعات الحكومة بصيغة: العدالة والتنمية زائد أحزاب الكتلة الديمقراطية.
وأمام كل هذا احتفظ بنكيران بورقة حزب الاستقلال في جيبه، إلا أن خرج أمينه العام حميد شباط، بتصريحات تهم "الحدود الجغرافية لجمهورية موريتانيا"، مما خلق أزمة دبلوماسية بين البلدين، بلغت حد اتصال الملك محمد السادس بالرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز، وإيفاد بنكيران إلى نواكشط لتقديم "الاعتذار عما صدر عن زعيم الاستقلال".
وما أن فقد بنكيران ورقة الحزب الأخير، حتى خرجت بقية الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة باستثناء التقدم والاشتراكية، تطالب باستبعاد حزب شباط، مستغلة الأزمة الدبلوماسية التي أفرزتها تصريحاته، وهو ما رضخ له عبد الإله بنكيران، الذي رفض في المقابل دخول كل من الاتحاد الاشتراكي، والدستوري للحكومة.
وحتى يزداد الموقف تعقيدا، انتخبت الأحزاب المعارضة لبنكيران رئيسا لمجلس النواب، هو الحبيب المالكي، القيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي، وجاءت هذه الخطوة بعدم من حزب الأصالة والمعاصرة، الخصم السياسي الأول لحزب العدالة والتنمية، ليعيش المغرب اليوم واقع ترأس شخصية من حزب غير مرغوب فيه داخل الحكومة مما يشير إلى أن حالة الجمود السياسي مستمرة لوقت أطول مما توقعه عدد من المتتبعين والمحللين للشأن السياسي المغربي.
ومن بين آخر تجليات هذا الشلل، تصريحات الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، ضد حزب التقدم والاشتراكية، الحليف التقليدي لحزب العدالة والتنمية قبل الانتخابات وبعدها.
وكان لشكر قد اعتبر أن حزب نبيل بن عبد الله "لا يحق له أن يتحدث عن مآل المشاورات الحكومية وتركيبتها بالنظر إلى وزنه داخل قبة البرلمان".
وصرح إسماعيل الحمراوي القيادي في حزب التقدم والاشتراكية لـ"أصوات الكثبان، بأن تلك التصريحات "لا تليق بحزب جمعته مع "التقدميين سنوات من التحالف، ترجمتها الكتلة الديمقراطية منذ سنوات".
وأوضح الحمراوي أن "لحزب التقدم والاشتراكية تاريخا عريقا عمره يمتد لسنوات، وعلاقته بالاتحاديين كانت ولا تزال راسخة بحكم المرجعية والتاريخ المشترك، لذلك لا يمكن أن ينتزع منه أي تنظيم سياسي حقه في إبداء رأيه تجاه تشكيل الحكومة أو أن يكون طرفاً فيها".
وبعيداً عن أراء السياسيين، يرى القيادي النقابي نبيل بلالة، في تصريح لـ"أصوات الكثبان"، أن حزب العدالة و التنمية يروج مصطلحاً جديداً في الساحة السياسية المغربية، إذ بدل الحديث عن "أزمة حكومية" يتم تداول مصطلح "البلوكاج الحكومي"، هكذا على طرفي لغتين مما يبرز طرافة المشهد السياسي المغربي.
وأضاف بلالة أن هذه الأزمة قد يبدو أن لها تداعيات على السير العادي للدولة، لكن في الحقيقة لن تؤثر شيئاً طالما أن المؤسسة الملكية وفق دستور 2011 تتحكم في مفاصل كل القطاعات الحيوية في البلاد.
ويطرح بلالة مثلاً بقطاع التعليم فقد "تجاوز المجلس الأعلى للتربية والتكوين، اختصاصاته الاستشارية لتصبح تشريعية و ملزمة لأية حكومة تأتي وقس على ذلك كل القطاعات التي يتولاها الملك عبر مستشاريه".
في هذه الأثناء نفى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ما شاع عن لقاء المستشار الملكي فؤاد علي الهمة برئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران لإبلاغه بأن "الملك يدعمه ويرفض أن يقدم استقالته".
وأوضح الأمين العام للحزب أن أن لقاء الهمة بنكيران، كان مضمونه بلاغ أصدره رئيس الحكومة المعين بشأن جدل شهده المغرب بخصوص مقرر تعلمي للتربية الإسلامية، تضمن عبارات ونصوص "تضرب في تدريس مادة الفلسفة".
مهدي الحريزي