عاد مصطفى إلى حياته الهادئة في الكفرة التي تشبه القرية النائية منها إلى المدينة ، فهي مدينة تقع في اقصى جنوب البلاد على الحدود الليبية التشادية, تحيط بها رمال الصحراء من كل مكان.
أغلب سكان”الكفرة” ينتمون إلى قبيلتين من أكبر قبائل ليبيا هما قبيلة التبو و قبيلة الزويّه ، و لطالما عاشت هاتان القبيلتان مع بعضهما البعض في وئام وسلام لا يخلو الأمر احيانا من بعض الإشكالات البسيطة او المناوشات التافهه التى لا ينفق عقلاء القبيلتين في حلها سوى ساعات قليلة,و لكن في العام2011عام اندلاع “الثورة” و ما صاحبها من انتشار كثيف للاسلحة و الدخائر و ما تلى سقوط النظام. بدأت تلك الخلافات الصغيرة التي كانت تظهر بين القبيلتين تأخذ منحى اخر و تنزلق الى منزلق اشد عنفا أدى فيما بعد إلى نشوب معارك طاحنه بينهما.
في حي”القدرفي” الذي يقطنه وهو حي خليط بين قبيلتي التبو و الزويّه ، يسكن مصطفى الذي ينتمي إلى قبيلة التبو مع أسرته الصغيرة,و يعيش حياة بسيطة و هادئة شأنه شأن غالبية سكان المدينة ، لكن المشاكل القبلية في الكفرة ارتفعت وتيرتها و ازدادت حدتها ، ولأول مره تؤدي الاشتباكات الى وقوع قتلى و جرحى من القبلتين.
في مساء ذلك الخميس الصيفي الساخن خرج مصطفى من بيته بعد صلاة العصر تاركاً اخاه الاكبر صالح مع زوجته و والده العجوز الحاج عيّاد وذهب لزيارة بعض أقاربه في حي “الزاوي” الذي يعد حي التبو الاكبر في الكفرة و ما ان وصل إلى هناك حتى بدأت الأصوات التي تشي باندلاع المعارك ، و ارتفعت أصوات المدافع و القنابل و تعالت صيحات المقاتلين وسط أزيز الرصاص ، يبدو ان الاشتباكات انتقلت هذه المرة على غير العادة إلى حي القدرفي حيث تسكن القبيلتان و حيث ترك مصطفى عائلته.
يا إلهي!! صاح مصطفى مدركاً حجم الخطر المحدق بعائلته و جيرانه ، حاول مصطفى ان يعود الى بيته ليطمئن علي أحوال أسرته و لكن محاولته باءت بالفشل لاستحالة الدخول الى الحي الدي اصبح ساحة مفتوحة للقتال استخدمت فيها انواعا مختلفة من الأسلحة ، استمرت الاشتباكات ما يقارب الخمسة ايام و بعد عدة وساطات قبلية و اجتماعية تمكنوا اخيرا من التوصل الى هدنة بين الطرفين المتناحرين ، و أمام هول المشهد و ارتفاع صيحات الصراخ و العويل عاد مصطفى إلى بيته مرة أخرى ولكن ليجد البيت هذه المرة قد تحول الى كومة من الركام و ليجد أمامه فرقة من الهلال الأحمر تحاول استخراج الجثث ، نظر مصطفى بصدمة إلى البيت محاولاً تكذيب نفسه!!، يا الله صرخ مصطفى بعلو صوته و ذهب مندفعاً بسرعه ليدخل البيت قبل ان يمنعه عمال الهلال الأحمر من الدخول
”انا لله و انا إليه راجعون”لقد وجدنا في البيت ثلاثة جثث لرجلين و امرأة هكذا قال موظف الهلال الأحمر لمصطفى الذي اعترته حالة من الصدمة لم يتمكن معها من ابداء اي ردة فعل.
اتضح لاحقاً ان سبب الوفاة هي قذيفة من نوع ”هاون” ضربت البيت و أدت شظايها إلى مقتل صالح و زوجته في الحال اما والده الحاج عياد فقد مات بعد ذلك نتيجة تأثره بجراحه التي استمرت ساعات بدون اسعاف على ما يبدو.
قرر مصطفى بعد هذه الفاجعة أن يترك الكفرة نهائياً و الذهاب إلى بنغازي عله يستطيع بدأ حياة جديده .