مانويل شابّ اريتري الأصل في الثّلاثين من عمره، يعمل مع المنظّمة الدّوليّة للهجرة على تأطير المهاجرين، التقته أصوات الكثبان في شوارع زوارة. تحدّث عن ظروف مجيئ المهاجرين إلى ليبيا ووضعهم هناك. يقول مانويل: "الأضواء لا تُسَلَّطُ إلاّ على ضحايا البحر في حين أنّ الصّحراء والبراري تقتل أكثر من ربع المهاجرين الّذين يشدّون الرّحال إلى الشّمال بحثا عن الأمل. رُبُع آخر أو أكثر مُسْتعْبَدٌ من قبل العصابات أو قابع في السّجون السرّيّة دون أن تُسلَّطَ عليه الأضواء... لِتَعْلموا أنّ البحر يُشفِقُ على مرتاديه ومخاطره أرحمُ من الصّحراء. و لكن، لا يصِلُ البحر إلاّ النّصف النّاجي من الصّحراء و الإحصائيّات تجمع أنّ العبور لا يقتل إلاّ أقلّ من 05 % من العابرين. هم ضحايا بالتّأكيدٌ ولكنّ البحر أرحم من الصّحراء وعصابات التّهريب".
عن مهمّته في ليبيا، يقول هذا المجاز في العلوم الاجتماعيّة: "نحاول إقناع المهاجرين بعدم المجازفة في البحر، خاصّة وأنّ بعض المهرّبين لا يتوانون عن حمل المهاجرين إلى منطقة أخرى داخل ليبيا ويدعونهم إلى السّباحة نحو الشّاطئ ليجدوا أنفسهم في منطقة ليبيّة أخرى. نحن نحاول ولكنّ إمكانيّاتنا محدودة والمهمّة صعبة إن لم نقل مستحيلة".
وللتّأكّد من كلامه، ذهب مانويل مع أصوات الكثبان لمقابلة موريس، القادم من شمالي السينغال. شاب في أوائل العشرينات، فارع الطّول. يقول موريس: "لم أترك شيئا أندم عليه في بلدي وعائلتي سعيدة لمّا علمت بوصولي إلى ضفاف البحر.. أملي كبير في العبور مثل من سبقوني".
لمحاولة الحدّ من هذا التيّار، يسرد المتحدث باسم سلاح البحرية الليبي على مسامع أصوات الكثبان كيف أنّ دوريات السلاح قامت باعتراض حوالي 1425 مهاجراً أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط إلى أوروبا “على مدى يومين فقط : 13 و14 سبتمبر”.
وأعلن المتحدث، أيوب قاسم، إعادة نحو 1050 مهاجراً على متن 7 قوارب مطاطية في وقتٍ مبكرٍ صباح الأربعاء 14 سبتمبر. وجاء معظم هؤلاء من دول جنوبي الصحراء الإفريقية، وحوالي ثلثهم من النساء والأطفال.
وفي اليوم التالي؛ جرى اعتراض قاربين مطاطين آخرين وعلى متنهما حوالي 300 شخص، و3 مراكب خشبية تحمل في مجملها نحو 75 شخصاً، بحسب المتحدث. وأفاد قاسم بالعثور على جميع القوارب قرب مدينة صبراتة الساحلية (غرب ليبيا)، وهي الموقع الأكثر شيوعاً لرحيل المهاجرين الذين حاولوا العبور من ليبيا في الأشهر القليلة الماضية.
ومعظم المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بالقوارب عبر البحر المتوسط يتجهون إلى إيطاليا، فقد سمحت سنواتٌ من الاضطرابات السياسية والصراع المسلح في الأراضي الليبية برواج نشاط شبكات تهريب البشر نحو الجزر الإيطاليّة وخاصّة لمبدوزا.
ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة؛ وصل أكثر من 120 ألف مهاجر إلى إيطاليا بالقوارب منذ بداية العام الجاري بزيادة طفيفة عن الفترة المماثلة من 2015. ومعظم أولئك الذين يتمكنون من دخول المياه الدولية تقوم سفن إنقاذ أوروبية بانتشالهم.
وتقول السلطات الليبية إنها أعادت في نفس الفترة أكثر من 11 ألف مهاجرا إلى الأراضي اللّيبيّة. وتفيد بيانات المنظمة الدولية للهجرة أنّه حتى الـ 6 من سبتمبر الجاري لقِي حوالي 3200 مهاجر حتفهم أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط هذا العام.
وكانت عملية «صوفيا» كلفت منذ أسابيع بتدريب وتجهيز قوة خفر السواحل الليبية التي تعترض بانتظام مراكب المهاجرين قبل خروجها إلى المياه الدولية.
وتؤيّد بريطانيا فكرة «إرجاع» مراكب المهاجرين إلى ليبيا لمنعهم من الوصول إلى إيطاليا ويقول وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، متحدثًا عن توافد عدد المهاجرين الهائل إلى هذا البلد «نحن في المملكة المتحدة مصممون على مساعدة إيطاليا، ونقر أن هذه المشكلة أوروبية. وتابع «نسهم بحصتنا من العمل» عبر مشاركة سفينتي «إتش إم إس دايمند» و«إتش إم إس إنتربرايز» العسكريتين في عملية «صوفيا» للمساعدة على إرجاع عدد من تلك المراكب. أعتقد شخصيًا أنه يتعين إرجاعها إلى أقرب نقطة ممكنة من الساحل (الليبي) لئلا تصل إلى إيطاليا» وليكون للعملية «أثر رادع أكبر».
وضمن التفويض الأخير الذي تحصلت عليه قوة «صوفيا» البحرية الأوروبية المنتشرة قبالة ليبيا بفرض حظر على السلاح إلى ليبيا، قام فريق تابع للمدمرة البريطانية «اتش -ام –اس- دايمنود» يوم 14 سبتمبر 2016 بعملية مداهمة لناقلة تجارية في عرض الساحل الليبي وتفتيش حمولتها والتحقق من التزامها بضوابط قرار مجلس الأمن الدولي بفرض حظر على السلاح إلى ليبيا.
عن كلّ هذه الإحصائيّات، يقول مانويل : "أرقام مفزعة وعمليّات مكلفة وقد يكون هناك ما هو أفضع ولكنّ تيّار الهجرة لن يتوقّف إلاّ إذا وفّرنا الاستقرار والنموّ في الدّول المصدّرة للمهاجرين".