تحول يدعو إلى التّساؤل حول كنه المعادلة الجديدة وخلفيّات التّغيّر الحاصل في ميزان القوى لصالح القائد العسكري خليفة حفتر والقوى السّياسيّة بالشّرق اللّيبي. فقد أثارت خطوة الاستيلاء على الموانئ النفطية قلق معارضي حفتر والقوى الغربية أيضا. فلا يمكن تناسي أنّ حفتر وأنصاره في شرق ليبيا قد منعوا على مدى أشهر أي تصويت برلماني في الشرق لمنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني لفائز السرّاج وهو ما يمثّل تعطيلا لتنفيذ اتّفاق السخيرات الذي تم بوساطة الأمم المتحدة لتوحيد ليبيا.
ولم يتضح بعد كيف سيستغل حفتر وحلفاؤه السيطرة على صادرات البلاد النفطية الضخمة وهل سيوجهونها لحصد مكاسب سياسية في إطار اتفاق الأمم المتحدة أم سيوسعون من سيطرتهم العسكرية في أنحاء ليبيا لكن ما هو واضح هو التهديدات التي يشكلها ذلك على الاستقرار.
وقال دبلوماسي غربي كبير "أعتقد أننا يجب أن ننظر إلى دوافع (حفتر) بكثير من الارتياب... أعتقد أن هناك مخاطر جمة على (حكومة الوفاق) والاتفاق السياسي بشكل عام إذا ما تم السماح لهذا الأمر بالانزلاق في الاتجاه الخاطئ." وفي الوقت الراهن قد يكون الغرب مجبرا على قبول خطوة حفتر. وبعد إدانة في البداية للهجوم على الموانئ ومطالبة قوات حفتر بالانسحاب انضمت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لدول أخرى في "الترحيب بنقل إدارة المنشآت النفطية في الهلال النفطي إلى المؤسسة الوطنية للنفط وبخطط زيادة الإنتاج والصادرات."
لكن البعض يرى أن هذا الأمر قد يكون فرصة لتحقيق انفراج بين معسكرين متنافسين يتألف كل منهما من تحالفات هشة أحدهما مع حفتر والآخر ضده. ويدور الصراع بين المعسكرين منذ 2014 حيث أقام كل منهما مؤسسات متنافسة في شرق وغرب ليبيا مما عمق الاضطرابات التي تعاني منها البلاد منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011. وبعد أن سلمت سريعا قوات حفتر إدارة العمليات في الموانئ للمؤسسة الوطنية للنفط لم يتعطل عملها لإعادة الإنتاج لمعدلاته إلا لساعات بسبب هجوم مضاد قامت به ما تبقّى من المجموعات المسلّحة التّابعة للآمر السّابق لحرس المنشآت النّفطيّة إبراهيم الجذران.
وقد أثبت هذا الهجوم السّيطرة المطلقة للجيش الوطني اللّيبي على الموانئ النّفطيّة وقدرته الكاملة للدّفاع عنها فقد دحرت قوّات حفتر المهاجمين إلى بلدة هراوة أكثر من 100 كيلومترا غرب منطقة راس لانوف وذلك لضمان حماية إمدادات النّفط.
وقد تفاعل مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط إيجابيّا مع هذه التّطوّات وقال إنه يأمل في أن يؤدي التنازل عن السيطرة على الموانئ النفطية لفائدة المؤسّسة إلى مرحلة جديدة من التعاون والتعايش بين الفصائل السّياسيّة التي أدى تناحرها على السلطة لوقف أغلب الإنتاج النفطي الليبي. وخفّف حفتر نفسه من لهجته بعد صعود نجمه إثر تحقيق الجيش الوطني الليبي الّذي يقوده لانتصارات متتالية في بنغازي ودرنة والهلال النّفطي ضدّ الإسلاميين المتشددين وحلفائهم إثر حرب طويلة ودامية.
وقد وضّحت الإصدارات الخاصّة عن الجيش الوطني الليبي في الإنترنت إن خطوة الاستيلاء على الموانئ كانت تستهدف حماية الموارد الوطنية وإنهاء حصار أدى لحرمان ليبيا من العائدات وكان وراء الأزمة المالية الخانقة في هذه البلاد الغنيّة بالنّفط.
ووضّح حفتر في هذه الإصدارات أن القوى الغربية يمكنها أن تطمئن تماما إلى أن عملية استرجاع الموانئ النّفطيّة ليست ضد المصالحة وليس لها أي أهداف سياسية. وللتّذكير فإنّ علي القطراني، حليف حفتر داخل المجلس الرّئاسي كان قد أنهى قبل أسبوعين من السيطرة على الموانئ مقاطعته لقيادات حكومة الوفاق الوطني أو المجلس الرئاسي واقترح تشكيل مجلس عسكري مشترك كوسيلة لإنهاء الأزمة المتعلّقة بقيادة القوات المسلحة.
ويواصل المجلس الرّئاسي في تلك الأثناء عمله لتقديم قائمة جديدة من الوزراء كما طالب بذلك حلفاء البرلمان الّذي تتحتّم مصادقته على الحكومة مثلما ينصّ على ذلك اتّفاق السخيرات. وقد أكّد رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج إنه مستعد للقاء حفترللمضيّ قدما في المصالحة.
وتأتي مقترحات السرّاج بعد تقدّم قوات حفتر حتى مسافة 150 كيلومترا من سرت حيث توشك كتائب مصراتة المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني على استكمال حملة لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من المدينة. ويشعر خصوم حفتر بالخوف من احتمال أن يكون حلفاؤه في الغرب (زنتان وورشفانة وحتّى من داخل طرابلس) يستعدون للزحف على العاصمة اللّيبيّة.
ففي ظل الانقسام بين فصائل مصراتة واستمرار معاناة حكومة الوفاق الوطني لبسط سلطتها على الجماعات المسلحة التي تسيطر على العاصمة ليس لفائز السراج حيّز كبير للمناورة وإمكاناته محدودة لردّ الفعل. وقال مصدر دبلوماسي من شمال أفريقيا: "لا أعتقد أن المجلس الرئاسي لديه الكثير من البدائل أو يملك هامشا كبيرا للمناورة". وأضاف قائلا: "يبدو لي أنهم في وضع يفرض عليهم التحرك من أجل حل سلمي عبر المفاوضات يقبله الشعب الذي نفد صبره تماما ... ما لم يحدث ذلك فإن أي تحرك مضاد سيزيد من شعبية الطرف الآخر".