و شرفنا بالحضور السيد كمال الجندوبي، الوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية و المجتمع المدني و السيد عبد القادر قدورة، أستاذ في القانون الدستوري و عضو في اللجنة الليبية لتحرير الدستور و السيد عمر بالهوشات، مدير صحيفة الوطن الجزائرية و وجه من الوجوه البارزة في الصحافة الجزائرية في فترة العشرية السوداء.
و في كلمة الإفتتاح أكدت السيدة ميليسا بيسيتش، المديرة التنفيذية لمعهد التنوع الإعلامي و السيد عبد الكريم الحيزاوي مدير المركز الإفريقي لتحسين قدرات الصحفيين و العاملين في مجال الإتصال على أهمية تكوين الإعلاميين و ضرورة تدريبهم على ثقافة الحوار و الإنفتاح و التسامح.
السيد كمال الجندوبي: "أعتبر نفسي وزيرا مكلفا بمهمة"
تعهد السيد كمال الجندوبي، الوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية و المجتمع المدني في كلمته بفعل كل يجب فعله لمساندة الإعلاميين الليبيين الذين لجؤوا إلى تونس منذ اندلاع الحرب في بلدهم: "تونس ستحتضن دائما كل من يجد نفسه مضطهدا أو ضحية للتمييز على أساس الجنس أو بسبب ممارسة مهنة شريفة أو بسبب تعبيره عن رأيه بحرية. و سأسخر كل صلاحياتي كوزير حتى تكون الهيئات الدستورية المتعلقة بمسألة حرية الصحافة و التعبير فاعلة تساعد على جعل المبادئ التي يعبر عنها الدستور التونسي على أرض الواقع. و من هذا المنطلق لدي شعور بالمسؤولية في هذا المجال و بأنني مكلف بهذه المهمة."
من جهة أخرى أكد الوزير أن استقرارليبيا و أمنها هما من استقرار تونس و أمنها و أن ذلك له تأثير على الإنتقال الديمقراطي التونسي الذي مازال بعد يافعا و هشا لأنه مهدد بالظروف الإقتصادية الصعبة للبلاد و بخطر الإرهاب الذي لا يعترف بحدود و يمتد ليشمل كل المنطقة: "يهمنا أن تستقر ليبيا و أن تحقق انتقالها الديمقراطي بنجاح و أن لا تتدخل القوى الأجنبية في هذا المسار، و إن تدخلت فأن تساعد على إيجاد حلول ليبية داخلية."
و أضاف كمال الجندوبي أن نجاح كل هذه الرهانات لا يكون بدون مساهمة أجهزة إعلامية حرة و قوية تمد جسورا بين المجتمعات المدنية في البلدان المعنية بمشكلة الإرهاب: "أنا كمناضل في مجال حقوق الإنسان أؤمن تماما أن الإعلام و القضاء هما الركيزتان الأساسيتان للديمقراطية و هو ما يجعل من حماية المشهد الإعلامي و ضمان ظروف نجاحه من أولى الأولويات في نظري."
شهادات الإعلاميين الليبيين: واقع مفزع !
ما يمكن استخلاصه من شهادات الإعلاميين الليبيين هو أن واقع الإعلام في هذا البلد الذي تنخره حرب أهلية شرسة هو واقع مفزع تقع فيه وسائل الإعلام رهينة لدى مختلف الفصائل المتنازعة.
وسائل إعلام مجبرة على الإغلاق و إعلاميون مهجرون...
في هذا البلد المتآكل من جراء الحرب، يجد الكثير من وسائل الإعلام نفسه مجبرا على الإغلاق. السيد أحمد الفيتوري ، مدير سابق لجريدة "ميادين" و اليوم لاجئ بمصر يحدثنا عن تجربته: "برغم الظروف التي نمر بها في بلدنا و التي يعرفها الجميع كنا نصدر جريدتنا بطريقة عادية تقريبا و تواصل ذلك إلى يوم احترقت فيه بالكامل مطبعتنا المتواجدة على ما يعرف ب"طريق المطار" و هي منطقة معرضة اكثر من غيرها للقصف و دمرت المطبعة تماما. و كنا قد جددنا تلك المطبعة بالكامل منذ ثلاث أسابيع فقط !"
و يصف السيد أحمد الفيتوري التناحر الحاصل في ليبيا بكونه واقع صعب جدا و بالغ التعقيد : "بين عشرات الميليشيات الإخوانية و المتنوعة بين صقور و حمائم و الجماعة المقاتلة التي كانت من أشرس معارضي القذافي و أنصار الشريعة الذين ظهروا فجأة على الساحة، لم نعد نعرف بالضبط من يقاتل مع من ضد من... شخصيا ضللت حبيسا في بيتي لمدة أكثر من سنة... كيف تريدوننا أن ننتج مادة إعلامية في هذه الظروف؟هذا مستحيل!!"
العديد من الإعلاميين الآخرين وجدوا أنفسهم مجبرين على مغادرة البلد و هو ما حدث مع جمال عادل الذي كان يشتغل بصحيفة يومية بطرابلس و لكنه أجبر على ترك طرابلس هربا من الصراعات الطاحنة. البعض منهم لم يعان فقط ألم التهجير بل كذلك شهد بأم عينه كيف تفتك منه الوسيلة الإعلامية التي يعمل بها.
هرسلة و سطو على وسائل إعلام
هذا ما عاشته مثلا الإعلامية جيهان جزوي التي عملت لفترة كمديرة برامج بقناة الآن قبل أن تعمل بقناة النبأ ببنغازي. و بالرغم من أنها استطاعت العمل بطريقة عادية أثناء الثورة الليبية فإنها تعرضت لهرسلة ايديولوجية و معنوية ما إن أصبح الخط التحريري للقناة ذا توجه اسلامي صريح إذ عمد أصحاب القناة الجدد إلى دفع نشطاء على الأنترنات غلى إطلاق حملات تشويه و ثلب ضدها. في النهاية طلبوا منها الخروج في إجازة مفتوحة و مدفوعة الأجر. و في يوم من الأيام و بينما كانت في السوق هاتفها أحد جيرانها ليطلب منها عدم العودة إلى البيت و الهرب فورا بعد أن رأى عددا من المسلحين في حديقة منزلها. و منذ ذلك اليوم و هي لاجئة في مصر.
تجربة طارق الهوني المدير التنفيذي السابق للقناة الوطنية الليبية ليست أكثر حظا إذ يقول الإعلامي اللاجئ في تونس اليوم أنه عمل كل ما في وسعه طيلة السنة التي قضاها على رأس القناة ليحافظ على حيادها و ليتطابق العمل الصحفي فيها مع المعايير الدولية. و تمسك بذلك رغم كل الضغوط التي مورست عليه لينحرف بالخط التحريري في هذا الإتجاه أو ذاك إلا أنه استقال في النهاية بعد سقوط طرابلس و يصف طارق الهوني ما يحدث اليوم هناك ب"مدافع إعلامية عابثة".
السيد جمال بنور و هو محامي و وكيل نيابة و قاضي سابق و كان يشغل سابقا خطة رئيس للمجلس المحلي بمدينة بنغازي يحدثنا عن أحد الألغاز الإعلامية الغامضة التي لم يوجد لها تفسير لحد الآن: "اقتناعا منا بأهمية الإعلام و بالدور المهم الذي لعبه في ثورة 17 فبراير، قمنا بإنشاء إذاعة بمدينة بنغازي هدفها أن تكون صوت الثورة و المواطنين نحو بقية أرجاء ليبيا. و خصصنا لذلك كل ما يلزم من أموال عمومية و موظفين و مقرات. لكن ما راعنا هو أننا بعد فترة شاهدنا إذاعتنا تفتك منا من طرف أحد التيارات السياسية النافذة دون أن نقدر على فعل شيء! قمنا بشكاية في الغرض و قدمنا كل الوثائق و الأدلة التي بحوزتنا و ما زلنا حتى اليوم لا نعرف شيئا عن مصير تلك الشكاية!"
كل هذه التجارب تطرح بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مشكلة الحياد الصحفي.
مسألة الحياد الصحفي: من الهرسلة إلى مشكلة أخلاقيات المهنة
حسب السيد أحمد الفيتوري، لا يمكن في الوقت الراهن الحديث عن مؤسسات إعلامية جديرة بهذا الإسم في ليبيا: " يوجد بالأحرى أجهزة هي أبواق دعاية و تعبئة إيديولوجية تقوم بنفس الدور الذي كانت تقوم به سابقا اللجان الشعبية الموالية للقذافي. نحن نجني اليوم ثمار ما زرع إبان الثورة من دون أن ينتبه إليه أحد: قوة فاشية جديدة تأخذ مكان الديكتاتورة القديمة و تلبس قناع الدين تضع ضمن أولى أولوياتها تفكيك النسيج الإعلامي الليبي." ثم يعدد الوسائل التي تتوخاها هذه الفاشية الجديدة للوصول لأهدافها: "عندما لا يقتلون الإعلاميين أو مدير جريدة ما، يمنعون تلك الجريدة. و إن لم يحدث هذا و لا ذاك يعتدون على الموظفين أو على السائق و ربما يدمرون المقرات...".
نسيم نايل، صحفي أصيل مدينة زوارة و يعمل بقناة توبكتس بطرابلس يتطرق إلى مسألة الحياد بمنطق النقد الذاتي الساخر: " قبل الثورة كانت لدينا كثير من الأحكام المسبقة على الإعلاميين الذي عملوا تحت حكم القذافي و كنا نعتبرهم جميعا موالين للسلطة و مجردين من كل مصداقية. اليوم نحن بدورنا معنيون بنفس تلك الأحكام المسبقة بما أن صحفيي 17 فبراير متهمون ممن أصبحوا في الحكم بغياب الحياد و المصداقية !"
جمعة فريوان، مقدم أخبار بالقناة الوطنية الليبية ثم بقناة النبأ لا يعتقد بوجود صحفيين أبرياء و ضحايا في المطلق. بالنسبة له، يصبح الصحفيون في كثير من الأحيان سببا من أسباب النزاع و يغذون التوتر عندما يصبحون أجراء لدى أحد الأطراف المتنازعة: "هؤلاء الصحفيون المصطفون هم الأكثر عددا. بينما الصحفيون المحايدون أو غير المصطفين قلة معرضة لكل المخاطر نظرا لكونها مستهدفة من جميع الأطراف و لاتتمتع بأية حماية".
في نفس هذا السياق، فدوى كامل، صحفية من زوارة، تذكر بانه لا يكفي أنحمي الإعلاميين في فترات النزاع :"يجب كذلك التفكير في كيفية حماية الوطن في فترات النزاع من هؤلاء الإعلاميين الذين يصبحون هم أنفسهم جزءا من المشكل". كما أقرت فاطمة عمراني،صحفية من مصراتة، على الدور القذر الذي تلعبه بعض وسائل الإعلام في تعفن اللأوضاع في ليبيا: "لقد عمق الإعلام الأزمة الليبية و ربما ينبغي أن نتفق على ميثاق يوحد الممارسة المهنية بين الإعلاميين الليبيين خاصة و أنهم يواجهون مشكلا أصعب بكثير من النزاعات المتعارف عليها و هو الإرهاب".
يبدو واضحا إذا أن عدم الحياد و حظور الإنتماء السياسي و الإديولوجي في العمل الصحفي أنتج حربا إعلامية داخل القطاع تعكس صورة الحرب الأهلية التي تعصف بالبلاد. العديد من الإعلاميين يتحدثون في هذا الإطار عن عكاضيات طاحنة تدور في ساحة تصفية الحسابات الإعلامية على المباشر و تتمثل في تراشق للتهم و اتهامات اسمية مباشرة. و النتيجة أن الإعلاميين الذين يبثون خطاب الكراهية هذا تسببوا في محاكم تفتيش و اعتداءات على زملائهم. مصطفى خليفة محمد، صحفي من الغات، يؤكد هنا على ضرورة توعية الإعلاميين بهذا الخطر حتى يتفادوا ما يسميه ب"العقلية الإنتقامية" و يرى أن للمنظمات الدولية و للجمعيات دور كبير في هذه التوعية.
نقص فادح في التكوين الأساسي و المستمر
يوسف عفط، مذيع براديو مصراطة الثقافية و جهان جزوي، صحفية ببوابة الوسط طرحا مشكلة المتطفلين على الحقل الإعلامي. أغلب هؤلاء التحقوا بميدان الإعلام بعد الثورة الليبية و تعلموا المهنة بالممارسة. لكن، و مهما كانت نواياهم حسنة في هذه الممارسة فإنهم يفتقرون إلى كثير من المعارف الأساسية للمهنة. و قد عبر الإعلاميان عن امتنانهما و سعادتهما بما حصلاه من معارف خلال التكوين الذي وفره لهم معهد التنوع الإعلامي و خاصة بالفرصة التي أتيحت للجميع بهذه المناسبة للتحاور فيما بينهم و إثراء النقاش و تبادل الآراء و كذلك التعرف على زملاء جدد في مجال الإعلام.
من ناحيته أعرب مدير بوابة الوسط عمر الكدي بدوره نقص التكوين الأكاديمي و نادى المنظمات الدولية بأن تنظم دورات تكوينية لفائدة الإعلاميين في كيفية حماية أنفسهم و طرق التخفي الرقمي و المنظومات الإعلامية المضادة للصنصرة.
و أعربت الجامعية فاطمة غندور، وهي كذلك رئيسة تحرير جريدة ميادين، عن رغبتها في أن تتعمم ندوات التكوين المنظمة من طرف جمعيات على غرار معهد التنوع الإعلامي حتى تشمل أكبر عدد ممكن من الصحفيين و خاصة أولئك الذين يشتغلون في إذاعات و تلفزيونات محلية تخاطب جماهيرا منسية من المنظمات الدولية: "يمكن أن يساعد ذلك على إكساب الصحفيين الذين التحقوا عرضا بمجال الإعلام المعارف الأكاديمية وخاصة أخلاقيات الحياد الهامة في إرساء ثقافة الحوار و التسامح".
و يذهب جمعة فريوان إلى كون مسألة الحياد ينبغي أن تشكل لوحدها مادة لندوة تكوينية يتعلم خلالها الإعلاميون ما هي حقوقهم و ما هي واجباتهم و يعون أين تقف حدود الحماية بالنسبة لهم و ما هي الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها في أخلاقيات مهنتهم كصحفيين خاصة و أن الإعلام كما يقول أصبح "طرفا من أطراف النزاع في الحرب التي تدور رحاها الآن في ليبيا ".
و حوصل السيد جمال بنور هذا الواقع المفزع للمشهد الإعلامي الليبي الذي برغم وجود شبكة مواطنية تعنى بحماية حقوق الإعلاميين و هي شبكة "مدافع"، فإنه لا يمكن الحديث فيه عن مؤسسات إعلامية و لا حتى عن نقابة للصحفيين طالما لم يتوصل الليبيون إلى إيجاد توافق واسع فيما بينهم يجمع شتات البلد و يحقق مصالحة وطنية شاملة. و يجب حسب رأيه أن تتضافر جهود جميع الإعلاميين ليجعلوا من أولوياتهم تحقيق هذا الهدف.
أي دور للمجتمع المدني في حماية الصحفيين؟
المنظمات الحكومية: مثال بلدية بنغازي§
يؤكد السيد محمود رشيد الكيخيا رئيس بلدية بنغازي على أهمية جهود المجتمع المدني في حماية الصحفيين و يعتبر ذلك بمثابة "سلطة رابعة". و تجعل بلدية بنغازي من أولوياتها دعم تلك الجهود عن طريق التعريف بأهمية العمل الصحفي في المجتمع و في بناء المسار الديمقراطي: "نحن نحاول توعية المواطنين بدور الإعلام عبر توزيع مناشير و كتيبات تحسيسية كما نندد آليا بالعنف وبكل الانتهاكات التي تحصل في حق الصحفيين. اما بشكل ملموس فنحن نفعل كل ما بوسعنا لندعم الإعلاميين ماديا إما بتمويل المؤسسات الإعلامية أو بدفع رجال الأعمال لذلك كما نوفر لهم ما يلزمهم من مقرات".
المنظمات غير الحكومية: مثال جمعية "حصن"§
خيري أبو شاقور رئيس جمعية "حصن" و معارض قديم للقذافي لجأ لتونس لمدة تفوق الثلاثين سنة يؤمن بالدور الذي يمكن أن يلعبه إعلام حر و مستقل في إنجاح الثورات و المسارات الديمقراطية: "اليوم أكثر من ذي قبل يلعب الإعلام دورا هاما في المشهد الليبي، خاصة في ضل الانتكاسة الأخيرة التي يعرفها المسار الانتقالي في بلادنا.صحيح أن ما حققته جمعية حصن في ما يتعلق بحماية الصحفيين يبقى غير كاف و ذلك لأسباب عديدة منها كون القضاء في ليبيا غير فاعل و غير منظم و أن العديد من القضايا المتعلقة بصحفيين لا تصل أصلا للمحاكم كما أن المحامين غير قادرون على القيام بمهامهم كما يجب... و لكننا رغم ذلك نحرص على رصد و توثيق الإعتداءات التي تطال الصحفيين كما نقوم بحملات تحسيسية ضد العنف المسلط عليهم. هذا طبعا عندما لا تطالنا نحن بدورنا يد هذا العنف... فأنا شخصيا اختطفت و بقيت محتجزا لدى قبيلة ورشفانة لمدة عشرة أيام و أعتبر نفسي محظوظا جدا إذ بقيت على قيد الحياة!!".
المتدخلون كانوا مجمعين على غياب مجتمع مدني حقيقي في ليبيا. و حوصل خيري أبو شاقور الوضع بقوله: "المنظمات القليلة التي كانت موجودة قبل الثورة بما فيها نقابة الصحفيين كانت كلها تتعاطى دعما من الدولة و بالتالي فهي لم تكن مستقلة. من أولى الأولويات إذا أن يتكون هيكل مستقل يجمع الصحفيين و يوحد ممارساتهم المهنية"
عبد القادر قدورة: حرية الصحافة في مشروع الدستور
عبد القادر قدورة، استاذ القانون الدستوري و عضو لجنة كتابة الدستور تطرق إلى صعوبة المشروع الدستوري في بلد ليست له تقاليد سابقة في هذا المجال: "تكمن الصعوبة خاصة في ضرورة أن تكون القوانين الدستورية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع و أن لا تبقى مجرد حبر على ورق. و من أجل الوصول إلى ذلك، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير، نحن نحتاج من جهة لمؤسسات أو هياكل من شأنها أن تدافع عن حقوق و مصالح الناس و من جهة أخرى لقوانين واضحة و جلية تحمي و تنظم هذه الحقوق و المصالح".
و في تناغم مع اقتراح السيد أحمد الفيتوري و متدخلين آخرين عرض السيد عبد القادر قدورة على الصحفيين الحاضرين فكرة ان يتفقوا فيما بينهم و أن يجدوا ما يجمعهم و من ثم أن يتنظموا في شكل جمعيات: "لأن تشكيل هذه الجمعيات أو هذه الهياكل هو عمل ينبغي أن ينطلق من القاعدة و لا من فوق بطريقة مسقطة. لقد رأينا في السابق كيف أن القرارات الفوقية لا توصلنا لشيء. المقصود هو تجنب التناقضات و تجميع القوى المتجانسة و المتناغمة فيما بينها حتى تستطيع أن تكون فاعلة و فعالة في الحين. تاتي القوانين الدستورية فيما بعد لتضمن حقوق هذه المجموعات المنظمة". و أكد قدورة على فكرة التنظم هذه بما أنها تخلق نسيجا جمعياتيا مدنيا يسهم في تطوير المجتمع الليبي الذي مازال مبنيا في عمقه على الفكر القبلي و ختم بقوله: "الإعلام و حماية الإعلاميين سينبنون بهذا الشكل على معايير مدنية لا دينية و لا قبلية".
عمر بالهوشات: أي عبرة نستخلص من العشرية السوداء بالجزائر؟
رغم المائتي ألف ضحية، و السبعين صحفيا الذين قتلوا و الثلاثين عاملا في حقل الإعلام الذين سقطوا غدرا بدم بارد تحت وقع تلك الفتوى التي أصدرها إمام جزائري متشدد في 1992 لم تمت الصحافة الجزائرية و لم تصمت و لذلك يمكن اعتبارها بلا شك مثالا يحتذى به.
السيد عمر بالهوشات مدير جريدة الوطن الجزائرية يلخص تلك الحقبة المريرة: "لقد دفعنا غاليا ثمن حرية التعبير... و لو لم توجد تلك النزل المؤمنة التي تحصنا مع عائلاتنا بداخلها و التي ناضلنا مع منظمات دولية من أجل الحصول عليها لكان عدد القتلى في صفوفنا أكبر بكثير جدا. يجب أن تعلموا أننا كنا نرزح تحت وطأة ارهاب مزدوج: إرهاب الفتوى و إرهاب الدولة إذ بينما كنا ندفن قتلانا كانت السلطات تمارس كل أساليب القمع و التضييق على حرية الصحافة بدءا من هرسلة الصحفيين، مرورا للإبتزاز الضريبي و وصولا إلى غلق الصحف... جريدة "الوطن" على سبيل المثال أغلقت سبع مرات!".
← تضامنوا و لاتصمتوا مهما حدث!
دعا عمر بالهوشات زملاءه الصحفيين إلى مقاومة الصمت الذي يحاول الإرهاب فرضه عليهم. المضي قدما في توفير المعلومة هو حبل النجاة الوحيد من الخوف و من الموت: "جرائدنا اليوم تطبع يوميا مئات الآلاف من النسخ و لدينا قراء أوفياء في وطننا لا لشيء إلا لأننا لم نتوقف عن الإدلاء بشهادتنا و صدحنا بالكلمة في وقت كان فيه الرصاص يريد ألا يسمع غيره، لأننا قاومنا الصمت!".
و المقاومة لا تكون ممكنة حسب عمر بالهوشات بدون التضامن و وحدة الصف: "عندما انطلقوا في 1993 في تصفية الصحفيين لم يكلفوا أنفسهم عناء الفرز للتمييز بين الناطقين بالفرنسية و الناطقين بالعربية أو بين العلمانيين و غير العلمانيين... المهم هو أن تبقوا متحدين و متضامنين مهما حدث. تلك هي الطريقة الوحيدة للتغلب على الإحساس بالخوف و للشعور بالقوة!".
و قالت السيدة فاطمة غندور في نفس هذا السياق متوجهة لزملائها اللاجئين في تونس: "مهم جدا ألا نصمت، ألا نغيب! مهم جدا لأنفسنا و للعالم!".
← أنشؤوا تعاونيات إعلامية و دافعوا عن استقلاليتكم
اقترح السيد عمر بالهوشات على زملائه الليبيين حلا كان ناجعا جدا خلال الأزمة الجزائرية لتفادي هيمنة الدولة على قطاع الإعلام و يمكن أن يكون بنفس النجاعة في ضل الإهتراء الذي تعرفه هياكل و منشآت دولة في حالة حرب مثل ليبيا و هو إنشاء تعاونيات في قطاع الإعلام: "كنا نتعاون فيما بيننا من أجل الضغط على المصاريف و نتجمع لطباعة صحفنا و هو ما ساعدنا على الحفاظ على استقلاليتنا و مكننا من أن نوزع أكثر لكن بتكاليف أقل".
و في سياق هذه النصائح اندرجت كلمات السيد لوران بريور و هو مكون من معهد التنوع الإعلامي: "عملنا كصحفيين يحتم علينا أن نكون واقعيين و عمليين. يجب أن نسأل أنفسنا: لماذا نحن في خطر؟ لأن حرية التعبير ليست سوى الجزء الظاهر للعيان من كتلة الجليد أما الجزء الذي يغمره الماء، وهو الأهم، فهو حرية الرأي. و لهذا السبب تحديدا لا يمكن أبدا ألا نكون في خطر إذا أردنا أن نكون صحفيين أحرارا و مستقلين. لهذا السبب أيضا تبقى الحماية الأنجع بالنسبة لنا هي دعم المواطنين! يجب أن يكون لنا ما يكفي من الاحتراف و المصداقية حتى نحظى بثقة المواطنين و بقبولهم لنا و حتى يفتحوا لنا أبوابهم".
خاتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة
السيد مراد السلامي رئيس تحرير إقليمي بمعهد التنوع الإعلامي أكد في اختتام هذه المادة المستديرة أن هذا اللقاء ليس سوى بداية مسار طويل في دعم الإعلام و الإعلاميين و أعطى عددا من التوصيات:
- ضرورة دعم حرية التعبير و ثقافة الحوار و احترام الإختلاف
- أولوية تنظيم قطاع الإعلام نظرا لكون وحدة الصف في القطاع و تنظمه يشكلان في حد ذاتهما حماية للصحفيين.
- ضرورة التفكير في أسس تضبط أخلاقيات المهنة
- أهمية دعوة المجتمع المدني لمساندة هذه القضايا لكون حرية الإعلام و استقلال القضاء يمثلان ضمانات أساسية للانتقال الديمقراطي الناجح.
من جهة أخرى، و بالنظر إلى زخم المقترحات حول هذه المسائل، اتفق الجميع على إرساء هيكل يضمن استمرارية الحوار و يسهر على استرسال العلاقات القائمة بين مختلف المشاركين و لم لا توسيعها لتشمل وسائل إعلامية أخرى و مكونات من المجتمع المدني.
كما سينظر معهد التنوع الإعلامي في إمكانية تنظيم ندوة أخرى لتقييم مدى تقدم هذا المشروع.