وتسعى الطّرق الصّوفيّة إلى إيصال صوتها اليوم كدعاة سلام وهو محور ملتقى الطرق الصوفية الّذي انتظم في منتصف أكتوبر بالزاوية العيساوية بمنطقة الجديد في مدينة سبها بحضور عدد كبير من منتسبي الطرق الصوفية من مختلف مناطق ليبيا.
وقال الشيخ عبدالسلام أحمد النكاع أحد المشرفين على الملتقى لـ'أصوات الكثبان' : «إن الهدف من الملتقى هو التأكيد على أن رسالة الطريقة الصوفية هي السلام والمحبة والرحمة والتلاقي بين الناس وليس كما يوصفها البعض أننا نلتقي فقط على ذكر الله ومدح النبي صلى الله عليه وسلم» مضيفا أن «الصوفية مقام ممنهج وأن الملتقى هو من أجل ليبيا الواحدة».
وقد كان الملتقى فرصة للتّعريف بالصّوفية وطرقها فتمّ تقديم كتاب ادريس شاه عن جوهر الصوفية وهو يرى أنها تتبع كل الديانات, أو بتعبير الحلاج هي «الحقيقة الداخلية لكل الديانات الصادقة» دون تفريق بين رسالة سماوية أو غيرها وبالتالي تكون الصوفية دعوة للحب والتسامح بمعناه الواسع وفي ظل عقيدة الحب هذه لا يكون هناك غير المساواة والتآخي وفي نهايته سلام، فيكون الهدف النهائي بذلك الذي تهدف إليه الصوفية متسقًا مع الهدف الذي يهدف إليه كل من الفن والعلم سواء وهو الارتقاء بالإنسان.
مفاهيم ادريس شاه هذه تعين على التّقارب والتّواصل وتغيّر مفاهيم خاطئة عن الصوفية باعتبارها اليوم مجرد سرد تاريخي فتكشف عن التقليد الروحي والنفسي الذي ضم كثيرًا من أعظم المفكرين في العالم أمثال جلال الدين الرومي، عمر الخيام، ابن عربي، الغزالي، السعدي، العطار وغيرهم وأثر التصوف المذهل على تطور الحضارة الغربية بداية من القرن السابع الميلادي وظهور فلاسفة مثل روجر بيكون. بمفاهيم كهذه يمكن أن نترفّع عن الصّدامات والمعاناة الّتي نعيشها اليوم.
أمّا تعريف السيد حسين نصر وهو فيلسوف إسلامي معاصر من متصوفة طهران الإيرانية ويعمل بروفيسور في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن، فهو يضع في كتابه ملامح إسلام يختلف عن الذي تمزج به الصحف كلمتها وتربطه بالسياسة كل يوم ويلجأ لجانب آخر لدين يراه هو الأسرع نموًا في العالم هو التصوف في الشعر والتصوف في الإسلام وممارسة الشعائر، ليحكي عن الحركة الصوفية التي ظهرت في وقت مبكر من القرن التاسع وترفض العبادة بدافع من الرغبة في مكافأة سماوية أو الخوف من العقاب، وتصر بدلاً عن ذلك أن يكون الدافع هو محبة الله وعشقه.
ويذكّر السيد حسين نصر كيف أنّ الصوفية قدمت للحضارة الإسلامية موسيقى وفلسفة ورقصًا وأدبًا, وحتى اليوم الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي هو الشاعر الأفضل مبيعًا في أميركا، وكما يرى الكاتب ففي القرون الأخيرة كان التصوف هدفًا لبعض الحركات الإسلامية المتطرفة، وكذلك كثير من الحداثيين، وهو ما سيهاجمه الكاتب فيعرض حقيقة المعتقد ويكشف باطن الإسلام وحقيقة الأولياء الصوفيين ومدارسهم الفكرية وتاريخًا منسيًّا في عالم مهدد بالحروب الدينية واغتراب وعزلة زعزعت من تنامي فنون روحية.
من ناحيّته، كشف الأمين العام لاتحاد القوى الصوفية وتجمع آل البيت بمصر الدكتور عبدالله الناصر حلمي عن تلقي الصّوفيّين لتهديدات من بعض الجماعات الإرهابيّة بتفجيرات في مولد إبراهيم الدسوقي الّذي يحتفل به خلال شهر أكتوبر، وتطالب الجماعات الإرهابيّة بإلغاء الاحتفالية لأنها بدعة وشرك بالله.
وحذَّر اتحاد القوى الصوفية جماعة الإخوان والتيارات السلفيّة من الاقتراب من مولد إبراهيم الدسوقي، قائلاً: «إنّ الصوفية ستفرض طوقًا أمنيًا بمساعدة رجال الشرطة للقبض على أي تكفيري أو وهّابي أو إخواني أو سلفي يُحاول دخول مولد سيدي إبراهيم الدسوقي، ولذلك فنحن نحذّر أي شخص من أعداء الوطن وآل البيت النبوي الشريف من الاقتراب من مولد سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه».
وأشار الأمين العام للقوى الصوفية إلى أنّ الوضع خطير ويستدعي تكاتفا من الجميع لمواجهة مظاهر التطرّف هذه، خاصة بعد الاعتداء الّذي استهدف مولد أحمد البدوي بطنطا(مصر)، وكذلك بعد العمليات الإرهابية الأخيرة في العديد من أنحاء العالم (فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، تركيا، تونس، الخ) التي ارتكبها التنظيم الإرهابي ممّا يوجب التصدي ووضع الاحتياطات الأمنية. ويتهجّم المتطرّفون على الطّرق الصّوفيّة لأنّها تدعو إلى السّلام وتحاول التّصدّي للعنف.