وقد ازدادت توجّسات اللّيبيّين إثر وصول المستشار الأمني لبعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا باولو سيرا إلى مطار معيتيقة الدولي في العاصمة طرابلس. وهو,, يتولى سيرا ملف إرساء الأمن والاستقرار في ليبيا بتكليف من الأمم المتحدة منذ أكتوبر الماضي 2015. فقد ارتبط اسمه بأحاديث صحفيّة لوزيرتي الدّفاع الإيطاليّة والألمانيّة تذكران فيها ضرورة التّدخّل في ليبيا.
' نحن مع حكومة الوفاق فقد سئمنا الفوضى والانقسام والتّناحر الدّاخلي ولكنّنا ضدّ التّدخّل العسكري فما خلّفه تدخّل 2011 لم يخدم مصلحة المواطن اللّيبي البسيط ' حسب مبروكة الطّرهوني، ربّة عائلة من بنغازي في الخمسين من عمرها، توفّي زوجها في حرب 2011. و التحق به ابنها في معارك حيّ اللّيثي.
ويقول المحلّل السّياسي اللّيبي عز الدين عقيل في هذا المجال : 'الجميع مدرك أنّها مرحلة جسّ نبض وعلى السراج توسيع دائرة الدّعم الّذي يتمتّع به إلى ما بعد مصراتة. فالمطلوب أن تكون حكومته مجسّدة فعليّا لوفاق وطني ضدّ الإرهاب '.
الخوف والرّيبة لا تقتصر على الدّاخل اللّيبي. هذا التّوجّه حاضر أيضا في الجوار اللّيبي.
تعيش المنطقة هذه التّوجّسات، في الوقت الذي ما انفكّت العديد من الدول الغربية، بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، تعلن استعدادها لتنفيذ عمليات عسكرية ضد تنظيم "داعش" في ليبيا، وإن حدث، فيُعد هذا التدخل العسكري الثاني من نوعه، بعدما قام حلف الناتو والتحالف الدولي بقصف جميع المدن الليبية إبان حكم الرئيس معمر القذافى، مما تسبب في إغراق البلاد بالأسلحة وانتشار الميليشيات والتنظيمات الإرهابية.
ويعتبر الكاتب الصحفي الليبي، عبد الباسط بن هامل أنّ هذا التّدخّل كان، بشكل غير مباشر، وراء "نموّ الجماعات الإرهابية الّتي استمدّت ومازالت تستمد قوتها من تردي الأوضاع في ليبيا، بحصولها على الدعم المالي والتدريب وغيرها من وسائل الدعم كما هو الحال بمدينة "سرت" التي أصبح ميناؤها ومطارها تحت قبضة تنظيم داعش"، ممّا ينعكس سلبا على مصير المنطقة ودول الجوار.
وحول انعكاسات هذا التدخل علي ليبيا ودول الجوار، يضيف عبد الباسط: "ليبيا ليست بمعزل عن دول المنطقة وموقع ليبيا الجغرافي جعلها مركزا للقلاقل وانتشار السلاح وانتشار المليشيات وتنامي نفوذ داعش وغياب الدعم الحقيقي للحرس الحدود، كل هذه الأمور سمحت بأن تكون هناك انعكاسات خطيرة على المنطقة كارتفاع الجرائم وتحركات الإرهابيين وبالتالي ستكون المنطقة بالكامل معرضة لهذه الاضطرابات".
وفي علاقة بالتّأثير المحتمل لغياب الاستقرار في ليبيا على جيرانها، يرى الصحفي بجريدة الخبرالجزائريّة "حميد يس"، أن "الجزائر ستتحمل عبء أي عمل عسكري أجنبي في ليبيا، وقد تحمّلت هي وتونس تبعات تدخل الناتو عام 2011. والدليل هو شحنات السلاح المتسربة من ليبيا يوميا، بحسب تقارير وزارة الدفاع الجزائريّة، زيادة على تسلل إرهابيين"، مضيفا: "إذا وقع التدخل العسكري في ليبيا، فلا شك أن الجزائر ستكون خسرت رهانا دبلوماسيا، وستظهر الحلقة الأضعف في المعادلة الليبية".
ويرجع الباحث في العلاقات الدولية الدكتور منصور قديدير، سبب تفضيل الجزائر للحل السياسي في ليبيا إلى أربعة أسباب منها "صعوبة حراسة آلاف الكيلومترات من الرمال و إلى جانب وجود جماعات إرهابية تنشط داخل البلد و الوضع السياسي الداخلي يجعل الجزائر في وضع هش على أكثر من صعيد، وكذا إنه "في حالة تدخل عسكري فإن الدور الأساسي سيرجع للقوى الدولية الكبرى و أن الجزائر سيكون لها دور ثانوي، وهي تدرك أنها ستحمل تبعات ما بعد التدخل".
من جانبه، يرى مدير مركز الرائد للدراسات سليمان شنين، أن "المقاربة الجزائرية في ليبيا قائمة أساسا على مرافقة الأشقاء الليبيين للتسوية السياسية ولا ترى مبرر للتدخل العسكري الدولي وخاصة أن اغلب النتائج التي افرزها مثل هكذا تدخل كانت دوما سلبية على غرار العراق وسوريا ومالي وغيرها".
ولهذا- حسب شنين- "حرصت الجزائر على إقناع القوى الدولي بتشجيع الليبيين على ملئ الفراغ والإسراع في تشكيل القوى الأمنية ودمج كل الأطراف المسلحة المعترف بها دوليا وتجنيد الجميع من اجل محاربة داعش والمجموعات الإرهابية"، ويتابع كلامه قائلا: "في حالة تنفيذ هجمات عسكرية فان الجزائر رفضت مثل هذا الإجراء من الناتو من قبل ولا يوجد ما يدعوا لتغيير الموقف وهذا لا يتنافى مع الموقف المبدئي في التنسيق والتعاون مع كل القوى في محاربة الإرهاب وهو موقف ثابت منذ فترة".
أمّا في تونس فيميل اتجاه الرأي العام التونسي الى رفض أي تدخل أجنبي في ليبيا في ظل مخاوف من تفجر فوضى غير مسبوقة قد تطال دول الجوار الليبي. وفي نفس الوقت، يجد التونسيون أنفسهم امام معادلة صعبة بين الرغبة في القضاء على التنظيمات الارهابية في ليبيا وبين شكوك في أن شيئا ما يطبخ للمنطقة تحت مسمى الحرب على الارهاب.
ويساور التونسيين قلق من أن التدخل العسكري في ليبيا قد تترتب عليه مخاطر أمنية واقتصادية في ظلّ أزمة مالية تعيشها تونس وعلى ضوء وجود آلاف المقاتلين التونسيين في صفوف التنظيمات الارهابية مدربين جيدا على القتال وقد يتسللون الى الأراضي التونسية هربا من الحرب المحتملة. كما يتوجس التونسيون من أن تكون غارة صبراتة مقدمة لتدخل عسكري أجنبي أوسع قد يتكرر معه سيناريو التدخل في العراق في ليبيا.
وفي الأثناء، قرّرت وزارة الخارجية التونسية إعادة فتح البعثتين الدبلوماسيتين التّونسيّتين في طرابلس دون ذكر الموعد «في إطار الحرص على دعم العملية السياسية في ليبيا وتعزيز نهج التوافق بين مختلف الأشقاء الليبيين»،
الغموض مازال سيّد الموقف في ليبيا.