خمس و أربعون يوما مرّت على وصول فائز السّرّاج إلى طرابلس و على الرّغم من الدّعم الدّولي و الإقليمي الذي يحضى به فإن الأمور لم تعرف إلى حدّ الآن تطوّرا يذكر في الأراضي اللّيبيّة حيث أنّ حكومة السّراج لم تنجح في إحراز تقدّم على الميدان و بقيت بحسب ما يراه الملاحظون منحصرة في مجال طرابلس و مصراطة (حوالي200 كيلومترا نحو الشرق). فالهيمنة التي حقّقها في الخامس من شهر ماي الجاري تنظيم داعش على مفترق بوڨرين (على بعد 100 كيلومتر شرق مصراطة باتجاه الجنوب) زادت في اهتزاز صورة حكومة السرّاج و شكّكت في القوّة العسكريّة المزعومة لمصراطة و ها هو بعد مرور عشرة أيام على هذا الهجوم يبسط نفوذه على الستّ بلدات التي نجح في احتلالها، بل و قد قام التنظيم بعد بإعدام ثلاثة من رجال الشرطة و الجيش القدامى.
هنالك أيضا شيئان آخران يدلاّن على الهشاشة التي يعرفها مسار الانتقال الديمقراطي الجاري في ليبيا و على مدى ضعف تأثير الأمم المتّحدة على أرض الواقع. فمن جهة أولى، رفض الرّجل الأقوى بالشرق اللّيبي، الجنرال خليفة حفتر، استقبال المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتان كوبلر في بداية الأسبوع و من جهة ثانية، و تزامنا مع ذلك، رفض المجلس العسكري لمدينة الزنتان الواقعة على بعد 160 كيلومترا جنوب غرب طرابلس استقبال الجنرال الإيطالي پاولو سيرّا و هو الخبير العسكري لبعثة الأمم المتّحدة بليبيا. و يعود ذلك لكون القوات العسكرية للزنتان تنضوي تحت لواء الجنرال خليفة حفتر بينما كان اللقاء من ترتيب القوات العسكرية لطرابلس.
و يرى الجامعي منصور يونس و هو كذلك عضو سابق بالمجلس الانتقالي اللّيبي أن حكومة السرّاج ليس لديها أي تأثير فعلي على الميدان كما يلاحظ أنّ المساندة السياسيّة التي يحضى بها و التي تأتيه من مدينة مصراطة لوحدها غير كافية. و في المجال الاقتصادي لا تتقدّم الأمور قيد أنملة و بالخصوص مع أزمة السّيولة التي تنخر الحياة اليومية للّيبيّين سواء كانوا من الشّرق أو من الغرب. و بشأن مساندة طرابلس لهذه الحكومة يقول محدّثنا : "طرابلس مدينة مختلطة المشارب و من بين كلّ العشائر الطرابلسية، لا يمكن معرفة من يساند من بالتحديد. وبالتالي لا أحد بإمكانه أن يدّعي أن أهالي طرابلس يدعمونه فالأغلبية تتمنّى فقط أن يتركوها تعيش بسلام ". كما يعتقد الجامعي أن قوّات مصراطة بدورها ليست متجانسة غير أنّه يوضّح أن قبيلة رئيس مجلس الدولة، عبد الرحمان سويحلي، و ابن أخته نائب رئيس مجلس رئاسة الحكومة، أحمد معيتيق، و هما أصيلا مصراطة، تساند فايز السرّاج.
هذه العزلة السياسية يؤكّدها بدوره بلقاسم ڨزيت، و هو عضو بمجلس الدولة عن مصراطة كماأنّه يتّهم حاكمي طرابلس القدامى بالوقوف وراء هيمنة تنظيم داعش على سرت حيث يذكّر في تصريح لأصوات الكثبان أن : " رئيس المؤتمر الوطني العام ، النوري بوسهمين و المفتي الصّادق الغرياني أنكرا تواجد داعش بسرت و صوّبا نيران أسلحتهما نحو القوّات المتمركزة في زنتان و بنغازي و الحال أن هذه القوّات تتكوّن من مناضلين شاركوا جنبا إلى جنب في القيام بالثورة و في بناء الوطن ". و يستعرض ڨزيت ما قاله مفتي غريان في خطبة الجمعة المنقضية من أنّ : "الأعداء يوجدون في بنغازي و ليس في سرت". طالبا من القوّات المسلّحة التدخّل " لنجدة الثوّار في بنغازي". ثم يختم عضو مجلس الدّولة حديثه قائلا : " للأسف، على عكس الشرق اللّيبي الموحّد تحت إمرة حفتر و برلمان طبرق، ينقسم الغرب اللّيبي بين فايز السّرّاج و المفتي الصّادق الغرياني، دون الحديث عن القوّة العسكرية بالزّنتان و لا عن مشكلة ميليشيات الأمازيغ بزوارة". كلّ هذا من شأنه أن يضعف الدّولة حسب ڨزيت.
في نفس الوقت، و بينما تحاول، بلا جدوى، قوّات مصراطة تحت إمرة السرّاج، طرد تنظيم داعش من البلدات الستّة التي احتلّها منذ عشرة أيام، يُضيّٙق الخناق على التنظيم أكثر فأكثر في بنغازي. و يوضّح الناطق الرّسمي لعملية الكرامة، العقيد أحمد المسماري أن خطوط المواجهة بحيّ الڨوارشة في غرب بنغازي لم تعد تمتدّ سوى على ثلاثين كيلومترا بينما كانت، قبل أسبوعين، تمتدّ على مائة كيلومتر. كما كشف المسماري قائلا : " اللّواء حفتر رفض مقابلة مارتان كوبلر لأن هذا الأخير يرغب في الحصول على معابر مؤمّنة لإرهابيّي تنظيم داعش ".
الوضع اللّيبي لا يزال بالغ التعقيد إذا و في خضمّ كل ذلك مازال السرّاج عاجزا على شق طريقه...