وأثار المسألة الأستاذ صلاح بشير المرغني، محامي وناشط حقوقي ووزير عدل سابق، الّذي عاب على السّلطة في ليبيا وممثّل الأمم المتّحدة إنحيازهما الواضح لخرق الاتفاق السياسي فيما يتعلق بالملاحقات القانونية لمن تحوم حولهم شبهات من قادة المليشيات والمجموعات المسلحة العسكرية وشبه العسكرية بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات حقوق الانسان وجرائم ضد الانسانية يطالها القانون الإنساني الدولي تتمثل بوضوح فيما يلي:
الخرق الاول: يتعلق هذا الأمر بمنح السّلطة القائمة أشخاصا تحوم حولهم شبهات ارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم إبادة لحصانة صريحة أو ضمنية من الملاحقة القانونية مقابل انضمامهم و مجموعاتهم المسلحة للمشهد السياسي الذي يُنْحت لليبيا اليوم وكذلك التلويح للبعض الآخر بأنهم إن إنضموا فلهم مثل ذلك! إن هذا لهو بمثابة عرض حمايتهم من المحاسبة عما يُتَّهمون به! إن بعض القيادات الفعلية للمليشيات والمجموعات المسلحة التى تم تكليفها او يُبَرْمج لتكليفها بالمشهد الأمني هم من ضمن من يحتفظون بمراكز اعتقال خارج الشرعية وسجلاتهم لدى الاجهزة القضائية بأنواعها ولدى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مشبعة بالبلاغات عن انتهاكات حقوق الانسان والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب بما في ذلك التعذيب والخطف والقتل خارج نطاق القانون والتهجير ومهاجمة مؤسسات الدولة واحتلالها (مثلا اقتحام واحتلال وزارة العدل في 31 مارس 2013 مهاجمة مطاري طرابلس وبنينة وقصف المدنيين والمرافق الصحية والتعليمية في ضواحي طرابلس وبنغازي وغيرها من الاماكن وإدارة سجون ومعتقلات سيئة السمعة خارج الشرعية في طرابلس وأنحاء أخرى من البلاد التى تواتر ذكرها في تقارير دولية لا حصر لها وغيرها من الجرائم مما لا يتسع المقام لتفصيلها في هذا الخطاب. ويمكن الرّجوع في هذا الصدد الى التقارير الصادرة عن بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا وتقارير حالات حقوق الانسان الصادرة عن وزارات الخارجية في الدول دائمة العضوية بمجلس الامن والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية مثل منظمتى هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية والمنظمات المحلية والمجلس الوطني للحريات وحقوق الانسان ولجنة التحقيق المكلفة من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة.
إن غض الطرف عن ذلك وتكليف مشتبه بهم على هذا النحو بمسؤوليات عن امن المواطن والبلاد وبما يرتب من أثر منحهم الحصانة الفعلية من الملاحقة وتعريض حياة المواطنين والضحايا المتقدمين ببلاغاتهم للخطر العظيم ليمثل انتهاكا للقانون الدولي الانساني الذي لا يختلف اثنان على حظره منح العفو أو الحصانة من تلك الجرائم صراحة أو ضمنيا، ناهيك بمخالفة الاتفاق السياسي والذي نص صراحة في السطر الحادي عشر والسابع عشر من الديباجة من النسخة العربية الرسمية للاتفاق والفقرات (17) و(24) و(25) من المبادئ الحاكمة للاتفاق السياسي والمواد 5و6 و7 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
الخرق الثاني: قصور دعم مكتب المدعي بالمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المذكورة وتجاهل التقرير عال المهنية المرفوع الى مجلس الامن بملاحقه العلنية والسرية! بالخصوص والذي أعده فريق الخبراء المكلفين من مجلس الامن في مارس الماضي كما لا يمكن القبول بتجاهل البيانات الصادرة عن السيدة المدعي العام بمحكمة الجنائية الدولية ابتداء من البيان الصادر في 25-7-2014 في اعقاب زيارة وزير العدل الليبي آنذاك وانتهاء بإحاطتيه لمجلس الأمن في 11 نوفمبر 2014 وفي 5 نوفمبر 2015 على التوالي. ويضاف ذلك الى غيرها من التعبيرات الواضحة عن التفويض الدولي الذي تحمله المحكمة الجنائية الدولية للملاحقة القضائية وفقا لقرارات وبيانات مجلس الأمن الصادرة بشأن الاوضاع في ليبيا ومع ملاحظة أن سعادة الممثل الخاص للأمين العام قد زار المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي يوم 23 مايو 2016 ولم يتطرق الى أهمية دور المدعي العام الا في إشارة مقتضبة يوم 4 يونيو 2016 وفي الفقرة ما قبل الأخيرة من إحاطته لمجلس الأمن في جلسته بتاريخ 6 يونيو 2016 والتي يؤخذ عليها نها تحدثت عن الانتهاكات المستقبلية ولم تتضمن لا تصريحا ولا تلميحا التحقيق مع القادة المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم السابقة على الاتفاق السياسي ولو كانوا ممن اعترف بحكومة الوفاق أو ايد الاتفاق السياسي وبدت التصريحات وكأنها انتهاج جديد لسياسة العصا والجزرة على حساب حقوق الضحايا والعدالة ومستقبل الوطن بما يستلزم تصريحا واضحا بتحميل المسؤولية والطلب الى المدعي العام بالتحقيق والقيام فعليا بتقديم ما لدى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من أدلة وتوثيقات متراكمة عن جرائم الحرب
الخرق الثالث: التجاهل الكامل والتقاعس عن الدعوة بالزام المجموعات المسلحة التي تم تكليفها أو من المزمع تكليفها بحماية الأمن بتقديم البيانات عن الاشخاص المحتجزين لديها خارج نطاق القانون واطلاق سراحهم خلال 30 يوما وفقا للبند ين (1) و(2) من المادة 26 من الاتفاق السياسي، انه وفقا لتقديرات بعثة الامم المتحدة ومنظمات أخرى فان عدد هؤلاء الاشخاص المختطفين والمحتجزين هو بالمئات على الأٌقل! ويشمل شخصيات رسمية وحقوقية وقضائية وإعلامية وأصحاب اعمال ومواطنين عاديين بالغين وأطفالا. إن تصرفكم بهذه الطريقة يضفي الارتياح على المجرمين ويقوي لديهم الشعور بالحصانة من الملاحقة.
الخرق الرابع: يرى العالم الاف الضحايا الغرقى وهم يقضون نحبهم في مياه البحر الأبيض المتوسط خلال عبورهم الى أوربا هربا من جحيم الحروب او الفاقة في بلدانهم في ما يعرف بالهجرة غير الشرعية عبر ليبيا وبترتيب المهربين وتواطؤ المتواطئين من المجموعات المسلحة. لا أفهم كيف يمكن أن ندعي احترام بنود الاتفاق السياسي دون طرح حلول فورية لمعالجة هذه الحالات ووقف صراخ البالغين والأطفال والرجال والنساء وهم يقضون في مياه البحر دون رحمة وعليه يجب أن يكون الحل وفقا الفقرة (28) من المبادئ الحاكمة من الاتفاق التي توجب احترام قواعد القانون الدولي ذات الصلة وخاصة وقد وُضِع مئات الالاف من ضحايا الاتجار بالبشر بين مطرقة اعادتهم الى ليبيا بحالتها الراهنة وما يترتب على ذلك من مصائب لهم ومخاطر التعرض للعنف بعد أن فقدوا كل ما يملكون وسندان الموت غرقا في المياه الليبية وخارجها.
إن تطبيق الاتفاق السياسي يتطلب التعامل بإنسانية ووضوح وبدعم وجوبي من المجتمع الدولي والا يُحمٌل الضمير الليبي بآثام قتل الالاف من النساء والرجال والاطفال من الضحايا الذين تزداد معاناتهم مع تغول وسيطرة المليشيات والمجموعات المسلحة على الاقليم الليبي باستعارة أو دون استعارة راية حكومة الوفاق الوطني.
وتجد التّحفّظات المشار إليها أعلاه تجسيدها الفعلي في واقعة العثور يوم الجمعة 10 جوان 2016 على 12 جثّة وقع إعدام أصحابها في ظروف غامضة وهم متّهمون مكّنتهم محكمة الاستئناف بطرابلس من السّراح الشّرطي ولكنّ الدّولة لا تملك القدرة على تنفيذ الأحكام. فعن أيّ حكومة يتحدّث المجتمع الدّولي؟