ويحدث هذا التّراجع رغما عن أنّ نجاح ثورة 17 فبراير قد دفع إلى الاعتقاد أنّ تحقيق الحرية سيؤدّي إلى التنمية وبناء دولة المؤسسات والقانون والتداول السلمي للسلطة، غير أن الصراع المحموم على السلطة حاليًّا، بدد جميع الأحلام وأغرق البلاد في حالة من الفوضى ارتدت بالسلب على التعليم.
وفي هذا المجال، يقول المفتش التربوي عبدالسلام خلف الله : » إن قطاع التعليم يعكس حالة الفوضى والانقسام التي تعيشها البلاد، لافتًا إلى أن الجامعات الليبية شهدت حركة طلابية نشطة جدًّا عقب نجاح الثورة، تمثلت في تنظيم محاضرات وندوات ومعارض فنية، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً وانتشرت حالة من الإحباط بسبب تدهور الوضع الأمني في البلاد وانتشار السلاح وتغول الميليشيات المسلحة التي استقطبت أعدادًا كبيرة من الشباب والطلبة « .
في الاتجاه نفسه، يقول المدرّس القريب من التّقاعد، مسعود سالم ، من ضواحي طرابلس : "إنّ الصراع على السلطة والاقتتال على المال دفع بالكثير من الطلبة إلى ترك مقاعد الدراسة والانخراط في جبهات القتال دون أي هدف سوى الحصول على المال الذي كان يوزعه أمراء الحرب بسخاء". ويؤكّد هذا الخبير أنّ : " كل يوم يمضي دون الوصول إلى حالة من الاستقرار تعيد الأمور إلى نصابها سيكلف البلاد خسائر كبيرة وسيعطل برامج التنمية وبناء الدولة".
الأستاذ الجامعي أبوالقاسم عمر يرى أن «حالة الانقسام السياسي التي تعيشها البلاد وتعدد الوزارات أسفرا عن قرارات متضاربة شتتت المؤسسات التعليمية وأضرت بمواعيد الدراسة والامتحانات، لافتًا إلى أن توصيات الورشة السابقة وغيرها تبخرت وضاعت وسط الفوضى والمواجهات المسلحة وتعطيل الدراسة وعمليات النزوح في مناطق النزاع».
وحول الأسباب التي أضرت بالعملية التعليمية خلال السنوات الخمس الماضية، اعتبر أبوالقاسم أن مشاكل توزيع الكتاب المدرسي والوسائل التعليمية، التي سببتها انقسامات مناطقية وجهوية ضيَّقة يقف وراءها أشخاص لا يتحلون بروح المسؤولية تأتي على رأسها.
ويرى المدون الليبي أبوبكر فحيل أن ما وصفها بـ"كارثة الكوارث" في قطاع التعليم، تتمثل بـمرض الغش بالامتحانات وهو يعود إلى عشرات السنين، مؤكدًا أن هذا المرض قد استفحل بعد فبراير ودخل كل مدرسة وجامعة. وأضاف فحيل أن امتحانات الشهادة الإعدادية للعام الجاري تمت في مواعيد مختلفة شرقًا وغربًا، وهو ما يعني أن أسئلة الامتحانات لم تكن موحدة كما هو متعارف عليه في السابق، بالإضافة إلى تسرب للأسئلة في بعض المناطق بين الطلبة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. وأشار إلى وجود عشرات الآلاف من الموظفين في قطاع التعليم لا عمل لهم ولا علاقة لهم بمجال التربية والتعليم، ويتقاضون رواتب على حساب المعلم الحقيقي إلى جانب عدم وجود قاعدة معلومات توضع وفقًا الخطط والدراسات.
بارقة أمل بانت أخيرا في نهاية النفق المظلم لقطاع التعليم بعد الإعلان عن اتفاق مسؤولي التعليم العام في شرق البلاد وغربها، على تنسيق مواعيد الدراسة وتوحيد الامتحانات خلال العام الدراسي المقبل، وتوجيه دعوة لمسؤولي التعليم في مناطق الجنوب للانضمام إلى المسار لإنقاذ واحدًا من أهم القطاعات الذي طالته حمى الفوضى والانقسام التي تعيشها البلاد.