عائشة خيرين، رئيسة الجمعية الموريتانية لمكافحة الإدمان على المخدرات، ما انفكت تقاوم بشراسة هذه الظاهرة الخطيرة التي تعصف ببلدها و تمس حتى أشخاصا من محيطها القريب.
تقول عائشة، هذه الأم الأربعينية : "أنا حريصة أولا و قبل كل شيء على الحفاظ على مستقبل أبنائي و أبناء غيري، لكنني مهتمة بصفة خاصة بالظاهرة لوجود أحد أقربائي تحت سطوة إدمان المخدرات... لذلك قررت أن أبذل كل ما في وسعي لمقاومة هذه الظاهرة و ذلك بتوجيه جهودي في المقام الأول للسلط العمومية لدفعهم لوضع حد لتجارة ما انفكت تزدهر في الفترة الأخيرة. جهودي متجهة أيضا نحو الشعب، خصوصا فئة الشباب، لزيادة الوعي بمخاطر استهلاك المخدرات".
هكذا إذا تسلط عائشة الضوء على واقع مرير تعيشه عديد العائلات في موريتانيا حيث تتفشى تجارة المواد الخطيرة من خمر و قنب و هيروين و كوكايين.
انتشار واسع للظاهرة
على غرار أغلب بلدان غرب القارة الإفريقية ، تشكو موريتانيا من وجود شبكة كبرى لتجارة و تهريب المخدرات على أراضيها، بدليل عديد الأحداث، من ذلك حجز 21 صندوقا تحتوي على 650 كغ من الكوكايين على متن طائرة في نواذيبو في 2007 ، و كذلك حجز طنين من الكوكايين بين نواكشوط و نواذيبو و طن كوكايين في باخرة راسية عرض ميناء نواذيبو في 2016 . في 2017 كذلك، تم العثور على كمية ضخمة من المخدرات في منزل كائن بحي "المتفجرات" بنواذيبو أيضا.
يقول جبريل سي، و هو مسؤول بإحدى الجمعيات المهتمة بمكافحة انتشار المخدرات و فيروس نقص المناعة المكتسبة، بخصوص عمليات الحجز : "هذه العمليات مهما كانت مهمة لا تمثل سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد فتجارة المخدرات في موريتانيا أكثر انتشارا في واقع الأمر. للأسف موريتانيا مرتع لكل أنواع التجارة الممنوعة بسبب مساحتها الهائلة المستعصية على الرقابة و حدودها المُخترقة".
محاور الشر
و حسب أبومآلي، مدير الوكالة الوطنية للمعلومات و الخبير في الحركات الجهادية بمالي، فإن تجارة المخدرات شديدة الإنتشار و التنظيم على مستوى الحدود الشمالية لموريتانيا. يفسر لنا محدثنا الوضع قائلا : "قوافل مكونة من عديد العربات تقوم بنقل المخدرات التي تمر عبر موريتانيا قادمة من المغرب باتجاه أوروبا أو بإتجاه مصر مرورا بليبيا، أو بإتجاه تشاد مرورا بالنيجر و نيجيريا. أما المهربون فهم مغاربة و موريتانيون و ماليون و جزائريون". هذه التجارة لا ترتبط مباشرة بالجهاديين، حسب رأيه، لكنهم يتمتعون في المقابل بخدمات المهربين. يوضح قائلا : "المهربون يزودون الجهاديين بالسلاح و البنزين و المواد الغذائية و الأدوية". و يضيف أن المواد الممنوعة المتداولة تتمثل بالأساس في الكوكايين القادم من أمريكا الجنوبية عبر إفريقيا الغربية (غانا، غينيا، غينيا بيساو) ، و القنب القادم من المغرب.
أما في المحور الجنوبي لموريتانيا، فتزدهر تجارة ممنوعة أخرى، و إن كانت تعتبر أقل أهمية من التجارة المنتشرة في المحور الشمالي، ألا و هي تجارة الخمور (الممنوعة في موريتانيا) و هي نشاط يقوم به صغار التجار و المهربين من خلال عربات النقل الجماعي، بالتوازي مع تجارة الحشيش. تأتي البضائع المهربة في أغلب الأحيان من السينغال، و من مالي عبر الحدود الجنوبية. يذكر أنه في ديسمبر 2016 ، أفضى التعاون بين جهاز الشرطة الموريتاني و نظيره السينغالي إلى إلقاء القبض على عصابة مهربين يوجد بعض أفرادها في كايدي و بوغي (مدينتان في جنوب موريتانيا). و قد أدى إيقاف أفراد العصابة في موريتانيا إلى إيقاف مزوديهم في السينغال.
أما المحور الثالث، فيرتكز على كبار المهربين الذين ينفقون أموالا طائلة لإيصال بضائعهم المتمثلة عادة في مخدرات يقومون بشحنها على متن طائرات تهبط في قلب الصحراء أين ترمي حمولتها. يوضح أبومآلي بهذا الشأن : "في 2009 ، قامت طائرة قادمة من كولومبيا بتفريغ حمولتها في قلب الصحراء شمال مالي ثم قام المهربون بحرق الطائرة لمحو آثار جريمتهم". نفس الشيء حصل في 2007 عندما تم حجز 630 كغ من المخدرات الخام على متن طائرة في نواذيبو، و 8 أطنان من الكوكايين على متن باخرة حاملة للعلم الكولومبي.
بلد هش و معرض لكل المخاطر
تتعدد العوامل التي تجعل من موريتانيا بلدا هشا معرضا لكل المخاطر كالتواطئ الحقيقي أو المزعوم للسلطات الموريتانية في تجارة المخدرات، و هشاشة الحدود، و الموقع الجغرافي، و تفشي الفساد، و انتشار الفقر. و لا ننسى عامل الحدود مع شمال مالي، معقل الجهاديين، وهي حدود نائية صعبة السيطرة و ممتدة على طول مئات الكيلومترات، مما يفتح المجال أمام شبكات الإجرام و الأنشطة الممنوعة بكل أنواعها.
موريتانيا تعيش أيضا حالة من عدم الإستقرار السياسي بسبب غياب التوافق الوطني، مما عطل إنشاء جبهة داخلية موحدة تهدف إلى مكافحة فعالة لبارونات المخدرات.
لكن كل هذه العوامل تعتبر ثانوية أمام عامل الفساد المستشري في البلاد و الذي يظهر تأثيره جليا في الحدود و المطارات و الموانئ حيث يكفي بأن تدفع للأجهزة الأمنية أو للموظفين لكي تقضي شؤونك. لذلك، يستغل تجار المخدرات هذه الثغرة لإدخال بضاعتهم بكل سلاسة. هذا التورط للسلطات الموريتانية على عديد المستويات هو ما يفسر تفشي ظاهرة التهريب، حسب ظابط شرطة متقاعد فضل الإحتفاظ بهويته.
خليل سو