وقد حذرت مصالح الأمن الجزائرية وحداتها العاملة قرب الحدود الليبية من تزايد حجم تهريب الأسلحة من ليبيا، بعد أن شهدت الأشهر الستة الأولى من عام 2016 أعلى مستوى لحجز الأسلحة المهربة عبر الحدود، و أكثر ما تترصده الوحدات الأمنيّة الجزائرية هي الأسلحة النوعية مثل الصواريخ بمختلف أنواعها نظرا للخطورة الّتي تمثّلها على الأمن العامّ.
وتشير التّقارير الأمنيّة لمختلف المصالح الاستخباراتيّة بالمنطقة إلى تزايد نشاط مهربي الأسلحة من ليبيا إلى الجنوب الشرقي للجزائر بعد تكرار ضبط كميات ضخمة من الأسلحة بمخابئ خاصة بالإرهابيين في تمنراست (2000 كلم جنوب الجزائر العاصمة) تم إخفاؤها في الصحراء، علماً بأنه تمت مصادرة ما لا يقل عن أربعة آلاف قطعة سلاح من مختلف الأحجام جرى تهريبها منذ 2012، مصدرها مخازن القذافي.
وذكرت التّقارير الّتي وصل مضمونها إلى أصوات الكثبان أن كمّيّات كبيرة من الأسلحة وقع ضبطها في مخابئ مختلفة في الصّحراء وقد تمكّن الأمن الجزائري من تفكيك عدة عصابات متخصصة في التهريب ومرتبطة بهذه العمليّات، كان أخطرها مجموعة جرى إيقاف عناصرها عبر محافظات تبسة والوادي والمسيلة وباتنة وهي تخضع للتحقيقات لمعرفة امتداداتها الدّوليّة في حين تخضع الأسلحة المحجوزة للمعاينة لمعرفة مصدرها.
ودأبت الجهات المتخصصة على إخضاع كل الأسلحة التي تهرب من ليبيا، للفحص في مختبرات خاصة للتأكد من مصدرها في إطار تحقيق تقوم به أجهزة الأمن الجزائرية، من أجل تحديد مصادر السلاح الذي يهرب إلى البلاد.
ويعد أخطر نشاطات تهريب السلاح من ليبيا إلى الجزائر، هو تهريب الأسلحة نصف الثقيلة مثل الصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ الكاتيوشا، ومدافع الهاون، كونها في الغالب موجهة للجماعات الإرهابية، لكن خطر الصواريخ أرض- جو المحمولة على الكتف، عاد ليطفو على السطح من جديد في دول المنطقة المغاربية وبعض العواصم الأوروبية، في أعقاب عثور الأمن الجزائري على عدد من قاذفات صواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات في جنوب البلاد، والإعلان عن ضبط كمية كبيرة من صواريخ «ستريلا» قرب مدينة صبراتة الليبية، كانت في طريقها إلى الجزائر.
وحسب متابعين للملف، تقوم عصابات الجريمة المنظمة في بعض الحالات بتهريب بعض أنواع الأسلحة لاستغلالها في عمليات تهريب المخدرات. أما آخرون فينشطون في تهريبه من أجل الربح، حيث يقوم بعض المهربين بنقل أسلحة من ليبيا إلى الجزائر لبيعها في سوق السلاح السرية بالجزائر، وهذه الأسلحة في الغالب مسدسات وبنادق.
وصار التحالف بين الجماعات الإرهابية والمهربين أمراً قائماً، حسب تقرير الأمم المتحدة الصادر في 20 يوليو الماضي، إذ كشف عن تمكن تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، وتنظيم «المرابطون» الموالي له، وجماعة «أنصار الدين» من إقامة علاقات مع جماعات ليبية محلية مسلحة لتهريب الأسلحة والأشخاص، وتأمين وجود وتنقل مختار بلمختار بحرية في أرجاء البلاد.
ووفر انتقال السلاح الليبي إلى الجماعات الإرهابية سهولة تنفيذ عمليات إجرامية، ففي فبراير 2014، نفذت مجموعة من قطَّاع الطرق، من بينهم أحد أقارب القيادي في «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب»، عبد الحميد أبو زيد، الذي قُتل في حرب مالي، عملية سطو مسلحة استولت خلالها على سيارتي دفع رباعي من شركة تابعة لمجموعة «سوناطراك» الحكومية للنفط في مكان صحراوي غير بعيد عن القاعدة النفطية «تيافتي» في الطريق بين محافظتي إليزي وتمنراست، وجرت العملية اعتماداً على رشاشات من نوع كلاشينكوف تم تهريبها من ليبيا.
وفي ما وصف بأنه «إجراء احترازي»، عززت مصالح الأمن الجزائرية النقاط الأمنية، لتأمين المعابر والمسالك الوعرة، فضلاً عن نقاط الحراسة في المواقع التي يستخدمها تجار الأسلحة عند التواصل مع عناصر من «قاعدة المغرب الإسلامي»، ونقل الأسلحة عبر المسالك إلى ولاية «وادي سوف» المتاخمة لغدامس، ثم إخفاء الأسلحة في مستودعات سرية في باطن الأرض وتغطيتها بالرمال، انتظاراً لفرصة نقلها إلى مختلف مناطق البلاد.
وقبل أشهر حوكم متهمون في شبكتي تهريب سلاح، تنشطان عبر الحدود الجزائرية الليبية، أمام محكمتي ورقلة وبسكرة بالجنوب الشرقي للعاصمة. وتضمنت محاضر التحقيق مع المتهمين بعض تفاصيل عمليات تهريب السلاح عبر الحدود الجزائرية-الليبية، وكان من بين المتهمين أشخاص من جنسيات جزائرية وليبية ومن النيجر، وتبين أن المنتمين للشبكتين يشترون السلاح من جماعات ليبية مجهولة في مكان يسمى «القطرون» تمهيداً لبيعه لاحقاً في الجزائر.
وأشارت محاضر التحقيق ذاتها إلى أن المتهمين هرّبوا، عبر الحدود الجزائريةء الليبية، رشاشات وقذائف صاروخية من نوع «آر بي جي 7» كما ذكروا أنّهم كانوا ينوون انتظار الفرصة المناسبة لتمرير شحنة تضمّ صواريخ «ستينغر» وأسلحة حربيّة «كاتيوشا» «وآر بي جي7» و«هاون» وكذلك مسدسات وبنادق. ورغما عن تشديد القانون الجزائري لعقوباته ضد جرائم تهريب السلاح ووضعها في نفس درجة خطورة قضايا الإرهاب، إذ تصل العقوبة في قضايا تهريب السلاح إلى السجن المؤبد، فإنّ هذا النّشاط مازال قائما حسب التّقارير الأمنيّة ويجب دعم آليّات التّصدّي له.