فمع ارتفاع موجة الاغتيالات دون أن تقوم أي جهة بتبني هذه الجرائم في مدينة بنغازي الليبية ، خاصة بين عامي 2013 و 2014 التي زادت عن 600 حالة اغتيال وطالت العديد من الشخصيات المدنية منها و العسكرية ، لأسباب متفاوتة ، فإن عمق المأساة لم يتوقف عند الأشخاص الذين تم اغتيالهم فقط ، بل امتد الى الوضع النفسي لمن شاهدو هذه الاغتيالات.
وفي حوار مع ليلى مواطنة ليبية من مدينة بنغازي تبلغ من العمر 25 عاما شاهدت عمليتين اغتيال بين أكتوبر 2013 وحتى سبتمبر 2014 عند سؤالها عن تأثير ما حدث لها أفادت " منذ وقت الحادثة لم أستطع التعايش مع الموقف ، فأنا أتخيل دائما أشخاص يمشون خلفي ، كذلك أصبحت لا احتمل الخروج للشارع لأني أظن أنه سوف تحدث عملية قتل أمامي ، لم أتمكن إلى الآن من النوم جيدا فما رأيته يتكرر كل ليلة في أحلامي ، لا استطيع الإحساس بالأمان في أي مكان، فأنا لم اتخيل يوما أن أرى هذه المشاهد مباشرة ، في المرة الأولى كان ما رأيته هو جثة ملقاة على الأرض ،المنظر لم أتمكن من استيعابه كذلك لم تفارق تلك اللقطات ذاكرتي" .
ومما زاد في تعقيد الأمر وضعية ليلى أنها شاهدت عملية اغتيال آخري بعد حوالي عام من الحادثة الأولى و قد كان تأثيرها عليها أكبر لأنها رأت من قام بالاغتيال " كان شخصا ملثما أطلق وابلا من الرصاص في منظر لا يمكن أن أنساه ابدا و لم يتردد الجناة بتذكيري بالحادثة بعد عدة أيام عن طريق رصاصة اخترقت النافذة التي شاهدة منها عملية الاغتيال "
ثم تابعت " أصبح لدي اختلاط المشاعر من تأنيب ضمير لأنني لم اتعرف على الجاني و لم اكن اتخيل انها عملية اغتيال ربما كنت استطيع تنبيه الشخص ، كذلك مشاعر خوف فلا أدري ما المقصود من تلك الرصاصة وهل هي صدفة فقط أم رسالة لها معنى".
ليلى ليست الوحيدة في هذا الوضع ففي حوار مع طالب ليبي في المرحلة الثانوية تم اغتيال والده أمامه في شهر يوليو من العام 2014 عندما كان برفقة عائلته في مدينة بنغازي قال في وصفه لوقت الحادثة " لاحظ والدي اقتراب سيارة مشبوهة منا و عندما حاول الفرار منها اطلقوا عليه وابلا من الرصاص اردوه قتيلا صدمت بالموقف وحاولت الرماية عليهم لكن لم أصبهم " .
و أضاف " ما عانيته لا يمكن لأحد تخيله رأيت والدي يموت أمامي، و والدتي لم تستوعب الموقف لفترة طويلة أختي فقدت القدرة على النطق لعدة أيام، منذ تلك اللحظة فقدت الثقة في كل الذين أعرفهم ممن كانوا ضد توجه والدي أنا الآن أرى الجميع مذنبين وأبحث عن أي دليل ضدهم ولن أتردد ابدا في الانتقام " .
حملنا رواياتنا هذه إلى الدكتورة تغريد عبد الرازق سنيب طبيبة ليبية مقيمة في مدينة طرابلس متخصصة في العلاج النفسي أفادت " تتعدد حالات الاضطراب الفسيولوجي و النفسي ما بعد الصدمات من الناس الناجين من الموت أو الذين شاهدوا موت أشخاص آخرين ، ففي البداية يحدث لهم عدم تصديق لما رآه".
وبعد فترة تقدر من ثلاثة أسابيع إلى ثلاثة شهور يستوعب الموقف و يدخل في حالة اضطراب في الشخصية ، هذا الاضطراب يتمثل في اكتئاب وعدم قدرة على التركيز ، و نظرة متشائمة للحياة والعديد من المشاكل النفسية كذلك الرغبة في الانتقام ، فمن الضروري جدا أن يتم عرض هؤلاء الأشخاص على أطباء نفسيين لدعمهم وإعادة تأهيلهم نفسيا ، كذلك العلاج الاجتماعي عن طريق تبادل القصص بين الضحايا مع إخصائيين لمساعدتهم في تخطي الأزمة ".
واختتمت بالقول " إن أخطر الحالات هم من تولد لديهم شعور قوي بالانتقام والأخذ بالثأر فيصبح لديهم شك دائم وريبة من جميع المحيطين بهم و تكثر الهواجس السيئة داخلهم مما يؤدي إلى ازدياد مشاعر الحقد وتصبح لديهم قناعة أن الانتقامَّ أمر لازم الحدوث " .