مشكل السّيولة لم يبقَ على مستوى المصارف بل أثّر بشكل كبير على الحياة اليوميّة للمواطنين. فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الاساسية هذه الأيام بشكل ملفت للنّظر وقد تضاعفت أسعار بعضها إلى مستوى قياسي في محلات التجزئة بالعاصمة الليبية طرابلس. فبالمقارنة مع أواخر 2015 ارتفعت الأسعار بشكل جنوني فثمن قنينة الزيت النباتي ارتفع من 3.500 الى 4.500 وعلبة معجون الطماطم من 1.500 الى 2.000 وحفاظات الأطفال صناعة تونسية من 9.000 الى 11.000 وحليب الاطفال عبوة 170 مل ارتفعت من 1.000 إلى 1.400 وكيلو السكر من 1.500 إلى 2.000 وطبق البيض من 4.500 الى 5.500 دينار وكيلو الارز المصري من 2.500 الى 3.000 وكيلو الكسكسي التونسي من 2.500 الى 3.000 ، فضلا عن ارتفاع عدد من السلع الضرورية مثل الصابون ومواد التنظيف والاجبان وغيرها من المواد الاستهلاكية الضرورية.
ويرى منير الفلاح (46 عامًا مدرس لغة فرنسية) أن الإشكال ليس في وجود البضائع على الإطلاق، فكل شيء متوفر وبكثرة تفوت الطّلب بالنّظر إلى القدرة الشّرائيّة الضّعيفة، فتجّار الحروب أغرقوا السّوق بالحليب ومشتقاته والدقيق والأرز والزيوت والمعجنات ومئات الأصناف الأخرى، من تونس وإيطاليا والجزائر وتركيا والسعودية وغيرها، ولكنّ المشكلة تكمن في قدرة الليبيين على الشراء».
فالوضعيّة المتأزّمة أثرت سلبا على المواطن وخصوصا أصحاب الدخل المحدود والذين تعتمد مداخيلهم بشكل أساسي على المرتبات التي لا يكفي أنّها لا تفي بالحاجة فقد تأخرت كذلك في هذه الفترة إذ لم تصرف مرتبات شهر أفريل، بل هناك من لم يتقاض مرتبا منذ بضعة شهور، الأمر الذي يتسبب بإرهاق للأسر ويجعل رب الأسرة في حيرة من أمره أمام انقطاع المرتب والارتفاع الكبير في الأسعار وارتفاع معدل التضخم نتيجة ارتفاع السلع والخدمات.
ومن المستغرب جدا قيام التجار والموردين وأصحاب المصانع برفع الاسعار بهذا الشكل دون شفقة ولا رحمة بالمواطنين الذين يقعون تحت طائلة من المطالب اليومية من مستلزمات للمنازل و طلبات ابنائهم بالمدارس وما يسد رمقهم من مؤن أساسية ، وفي بعض الأحيان نجد من يعاني من دفع الايجار للبيوت التي يقطنها. تقول أمّ زينب : "يتقاضى زوجي مرتّبا ب1.200 دينارا وهو لا يكاد يكفي نفقاتنا اليوميّة خاصّة وأنّ حماي يقطن معنا ومصاريف رعايته الصحّيّة تفوق ال250 دينارا في الشّهر لأنّ المستشفيات لم تعد توفّر الأدوية ".
ومثل الدّواء فُقِدت المواد المدعمة من الجمعيات الاستهلاكية بالكامل، وذكر أحد أصحاب الجمعيات ان صندوق موازنة الاسعار وهو الجهة المسؤولة عن بيع المواد المدعومة في ليبيا طلب منهم ايداع مبالغ مالية حسب المنتسبين للجمعية وقد أودع العديد منّا مبالغ بلغت أحيانا ال40 الف دينارا (10 آلاف يورو) مند شهور ولكن لم يتم تسليم أي منتج او ارجاع الاموال المودعة لديه. ويضيف متأفّفا: " يقولون أنّهم سيحاولون التّخفيف عنّا في شهر رمضان ولكنّني سمعت وعودا كثيرة لم تتحقّق فلم أعد أصدّق شيئا ".
وتعاني المخابز من نقص الدقيق لديها بالإضافة الى ارتفاع ساعات انقطاع الكهرباء يوميا وعند الاستفسار عن سبب ارتفاع الاسعار من تجار التجزئة يتعلل بعضهم بنقص الديزل لدى سيارات النقل او المصانع المنتجة ومنهم من يرد السبب الى ارتفاع سعر صرف العملات الاجنبية وهو ما اثر على سعر التكلفة لهده المواد المعروضة للبيع والّتي أصبحت أسعارها في مجملها أقرب للمرطّبات منها للخبز.
وفي مواجهة أزمة غلاء الأسعار ونقص السّيولة، اقترح البنك المركزي تطوير آليّات الدّفع الالكتروني ولكنّ المسألة ليست من السّهولة بمكان. يقول أسامة، 32 سنة، تاجر قطع غيار بطرابلس: " لقد شحّت المعاملات التّجاريّة بسبب نقص السّيولة وأنا أفكّر جدّيّا في تجهيز مغازتي بآلة خلاص الكتروني رغم أنّني لا أجيد استخدام هذه الوسائل. ولكن ليس لي حلّ بديل. لا يمكنني انتظار حلّ من السّياسيّين فهم لا يُعَوَّل عليهم ".
يأتي شهر رمضان ولا تتحسّن الأوضاع ويتساءل المواطن الى متى تستمر هده الأزمة وعن مدى جدوى الأجهزة الرقابية العاملة في حماية المستهلك ومساعدة المواطن في كبح الاسعار وتخفيف المعيشة على الأسر الليبية في الظروف التي تمر بها البلاد. كما يتساءل عن الإضافة الّتي قدّمتها لفائدته حكومة السرّاج.