وتشير إحصائيات جهاز مكافحة المخدرات في ليبيا إلى أنّ حالة الانفلات الأمني التي تشهدها البلاد سهّلت إغراقها بالمخدّرات ، أمر تؤكده التقارير الدولية التي اعتبرت ليبيا نقطة رئيسية لتجارة هذه السموم وتهريبها.
يوم الأحد 12 فيفري الجاري ، تم ضبط حاويتين محملتين بـ 140 مليون حبة "ترامادول" و200 مليون حبة "فياغرا" تصل قيمتهما إلى 300 مليون دولار حسب ما أفاد قسم مكافحة تهريب المخدرات بجمارك مصراتة وقبل ذلك ضبطت السلطات في أوت الماضي طنّين اثنين من الحشيش في بوابة "البيضان" قرب "أجدابيا" شّرقي ليبيا.
عمليات تهريب المواد المخدرة لم تقتصر على ما بعد فترة حكم القذافي ففي الفترة الممتدة من سنة 2000 إلى سنة 2009 تشيرالأرقام الرسمية إلى أن السلطات الرسمية تمكنت من حجز (83.862) كيلوجراما من الحشيش و(267) كيلوجراما من مخدر الهيروين و(36) كيلوجراما من مخدر الكوكايين إضافة إلى (مليون و420 ألف) قرص مخدر.
طريق آمن
وفي حين تعتبر الإحصائيات الدّوليّة المتداولة حول المخدّرات أنّ المغرب مازال أحد أكبر المنتجين للحشيش في العالم، تشير نفس المعطيات إلى أن طرق المهربين في تهريب وترويج المخدرات المغربية أصبحت تعتمد على مسالك الصحراء الليبية التي تبدو بيئة مناسبة للمهربين والتجار للعمل فيها جراء الحرب الدائرة منذ سنوات وضعف السلطة وعجزها عن مراقبة الحدود.
أصبحت تجارة المخدرات في بعض دول غرب إفريقيا، مثل "البنين" و"الطوغو" و"السنغال" و"موريتانيا" التي تطور إنتاجها من زراعة القنب الهندي و"خشخاش الأفيون" في السنوات الأخيرة ،تسلك خطوطا جديدة في الصحراء الليبية. كما دخلت هذه المواد في مسالك التجارة العابرة.
كمّيّات كبيرة
يعتبر العقيد أبو بكر عطية، مدير بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات،أن"ما يتم ضبطه لا يمثل في أفضل الأحوال إلا 5 % من جملة ما يتم جلبه للبلد سواء لتهريبه إلى بلد آخر أو لبيعه أو لتعاطيه.
وما يؤكد حجم هذه التجارة وما بلغته ليبيا كوجهة رئيسية لترويج المخدرات، اعتراض باخرتين في المياه الدولية العام الماضي كانتا في طريقهما إلى ليبيا ومحملتين بما يمكن اعتباره أكبر شحنة من المخدرات تتم مصادرتها .
ففي يناير 2016 اعترضت السلطات التركية في المياه الإقليمية الدولية باخرة تحمل العلم البوليفي، كان على متنها 13 طنا من المواد المخدرة كانت متجهة إلى ميناء طبرق الليبي.
وفي يونيو من العام ذاته اعترضت البحرية الايطالية باخرة ثانية لدى مرورها بميناء كالياري، وعلى متنها عشرون طنا ونصف الطن من الحشيش، بقيمة سوقية تصل إلى نحو 200 مليون اورو. وكانت السفينة “جوبيتر”متجهة إلى أحد الموانئ الليبية.
العلاج
يقول عبد الله فنير،نائب مدير مستشفى "قرقارش" للأمراض النفسية في طرابلس: " في كل شهر يأتي إلينا عدد أكبر من النّاس المحتاجين للمساعدة ، ففي هذا المستشفى مصحة الإرادة لعلاج الإدمان،وهي مركز العلاج الوحيد من نوعه في البلاد الّذي بقي مفتوحا رغم النقص الكبير في الأدوية الضّروريّة لعلاج حالات الإدمان .
ويقول الأطباء المختصون بالمركز أن حالات الإدمان الأكثر شيوعا هي إدمان حبوب "الترامادول" ،(مسكن يحفز إطلاق السيروتونين ويمكن أن يسبب تشنجات) وكذلك إدمان الهيروين الذي قد تصاحبه إصابات بفيروس الإيدز.
ويعد الحشيش والحشيش الصناعي (الجوكر)،والكوكايين،والهيروين إلى جانب أنواع أخرى من الحبوب المخدرة الأكثر تداولا في ليبيا، بحسب أطباء المصحة.
شهادات
على إثر عديد المحاولات، وبعد التّأكيد لهم بعدم الكشف عن هويّتهم، تمكّن أصوات الكثبان من الحديث مع اثنين من المدمنين الّذين باشروا العلاج في مصحّة الإرادة.
يقول الأوّل، وهو أربعيني من مدينة غريان، التي تبعد 113 كيلومترا جنوب طرابلس: " لم أتخيّل نفسي يوما أسقط في فخّ الإدمان بما أنّني أدخّن الحشيش وهو مخدّر خفيف مقارنة بغيره. ولكنّ السّعي وراء الانتشاء الدّائم أطاح بي في براثن الإدمان ".
ويتابع : "أقرّ بأنّه ليس من السّهل الإقلاع عن هذه الآفة فبالنّسبة لي،هذه دورة العلاج الثّالثة الّتي أشارك فيها. تخلّيت عن العلاج في الأولى سنة 2009 بعد ستّة أشهر قضيتها في المركز ، وانقطع علينا الدّواء في الثّانية سنة 2013، وها أنا أتابع الدّورة الثّالثة".
أمّا المتحدّث الثّاني فمسيرته مختلفة مع المخدّرات،هو شاب في السادسة والعشرين من عمره من الزّاوية التي تقع على مشارف طرابلس يقول " تجنّبت المخدّرات عندما كنت طالبا في الجامعة رغم أنّ أصدقائي كانوا من المدخنين لمواد مخدرة " ولكن انضمامه إلى صفوف الثّوّار منذ أواسط 2011 غيّر مجرى حياته ليصبح من المدمنين .
وذكر المتحدّث أن مؤسسة شهداء الحرية للتنمية البشرية والأعمال الخيرية هي الّتي دلّته على هذا المركز لمعالجة الإدمان.
وبالاتّصال بالجمعيّة، أفاد رئيسها الدّكتور جمال الرّجباني بأن هناك " عملا كبيرا مازال ينتظر ليبيا في جميع المجالات ومن ضمنها مقاومة التّرويج للمخدّرات ومعالجة إدمانها".
وأوضح قائلا "دورنا يقتصر حاليّا على تعريف المعنيين بما هو متوفّر لعلاج إدمانهم و نربط الصّلة مثلا بين مرضى السّرطان أو الإيدز أو المدمنين مع مراكز الرّعاية الصحّيّة ولكنّ الإمكانيّات محدودة للغاية ".