)قتلوا شقيقي أمام عيني.. وتنازلت عن الثأر من أجل ليبيا( اختزلت تلك العبارات مشوار رئيس ملف مصراتة - تاورغاء للمصالحة، يوسف زرزاح، فالرجل الذي كُلف رسميًّا بإدارة الملف منذ 2 يوليو 2015، آلى على نفسه نزع فتيل الأزمة، معتبرًا دماء شقيقه أقل قربان، يمكن تقديمه لإرساء السلم الاجتماعي في بلاده، وقد سرد ممثّل مصراتة زرزاح ما سبق وتخلل وتلى اتفاق المصالحة الّذي أمضي في تونس في 31 أوت 2016 ، مشيرًا إلى أن بداية المصالحة، كانت منذ قرابة السّنتين في أحد منازل سوق الجمعة بمدينة طرابلس، حيث اجتمع وفدان، أحدهما يمثل مصراتة والآخر يمثل تاورغاء، وكان اللقاء هو الأول من نوعه بين الطرفين بعد سقوط القذافي، فرغم مبادرات المصالحة التي سبقت اللقاء، فإن طرفي النزاع لم يجتمعا وجهًا لوجه.
ويضيف زرزاح قائلاً: «بعد تناول الغداء معًا، تحدثنا في اللقاء بكل صراحة، وطرحنا جميع الإشكاليات بشفافية، وقدم كل طرف تنازلات إلى الآخر، فكان لابد من التنازل، أنا شخصيًّا كنت أكبر المتضررين، لقد قتلوا شقيقي الوحيد أمام عيناي، قتلوه شباب من تاورغاء، قلت لهم في الاجتماع: «سامحتكم وتنازلت عن الثأر لدم شقيقي مقابل أن تتجه ليبيا نحو السلم .«
لقد استبدل الثأر لدم شقيقه، الذي لقي حتفه في أحداث مصراتة وتاورغاء، وآثر المصالحة بين الطرفين ، ودأب على التواصل بين المختصمين لتقريب وجهات النظر.. وصف نفسه بـ«ساعي بريد» في إشارة إلى تردده أكثر من مرة على كل أطراف الأزمة، وبعد التوقيع على مبادرة المصالحة في تونس، رأى أن رافضيها لم يستنتجوا الدّروس من الحرب ضد القذافي،و أنّ المصالحة هي السبيل الأفضل لرأب الصدع، ونبذ العنف والكراهية، ووأد الفتنة بعد أن خرجت من مهدها وترعرعت في البلاد.
بعد تلك الجلسة، اتفق الخصوم الراغبون في المصالحة على اللقاء مجددًا، وفي الأثناء عاد زرزاح إلى المتضررين من الحرب في مصراتة، ونقل لهم كما يقول ما جرى في الاتفاق، فاعترض بعضهم في البداية على بعض النقاط، فعاد زرزاح ليعرض تلك النقاط وغيرها في لقاء آخر بتونس مع رجالات تاورغاء، حضره لفيف من القيادات الاجتماعية وشيوخ من ليبيا، وإثر هذا اللقاء جرى تعديل بعض نقاط الاتفاق حسب رغبة الطرفين.
يتنفس زرزاح الصعداء، ويعود قليلاً بذاكرته إلى الوراء، قائلاً: «عملت كساعي بريد بين الطرفين، وفي نهاية المطاف، توصلنا إلى اتفاق يرضي الجميع، وينهي قطيعة دامت خمس سنوات بين الجارتين . «
الجهود تمخضت عن إبرام اتفاق المصالحة بشكل نهائي في تونس، وعن أهم ما توصل الطرفان له، يقول زرزاح: «ركزنا في الاتفاق على الملفات العاجلة، لاسيما جبر الضرر، والعدالة الانتقالية، وإعادة إعمار تاورغاء وضواحي مصراتة، بدءًا من طمينة في اتجاه تاورغاء». وأضاف: «في الاتفاق حددنا مبلغ 6000 دينار ليبي لكل عائلة من تاورغاء، ليتسنى لهم إعادة تأهيل بيوتهم التي أُضيرت نتيجة الأحداث، كما تم الاتفاق على منح بيوت متنقلة مؤقتة لأصحاب البيوت التي تضررت بشكل كبير، تمهيدًا لبناء منازل على مراحل لكل المتضررين. في المقابل تم الاتفاق على إعادة إعمار كل القرى والضواحي المحيطة بمدينة مصراتة، وتعويض المتضررين تعويضًا عادلاً، على أن يحتفظ الجميع بحق التقاضي أمام العدالة الليبية. «
وحول الجهة التي قدرت مبلغ الـ6000 دينار لتعويض كل عائلة في تاورغاء، قال زرزاح: «قررنا ذلك عقب زيارة ميدانية إلى مدينة تاورغاء، قام بها مجموعة من عقلاء الطرفين، وبعد تقدير الأضرار عادوا إلينا بهذه النتيجة، ووافقنا من جانبنا عليها، بعد وقوفنا على موافقة الجميع على نتائج الزيارة الميدانية، وخلال ذلك كنا على اتصال دائم بالمجلس البلدي مصراتة، وأطلعناه على كافة التفاصيل، وفهمت أنهم يباركون هذه الخطوات. وسوف ألتقي قريبًا جدًا مع المجلس للتصديق على اتفاق المصالحة، والسعي إلى تنفيذه .«
وفي ما يخص مطالب تحويل تاورغاء إلى بلدية مستقلة على عكس السابق «فرع بلدي يتبع مصراتة»، قال زرزاح: «تحاورنا كثيرًا حول هذه النقطة، لكنها لم تكن مهمة أمام بنود عودة السكان، وإعادة إعمار تاورغاء، واتفقنا بالإجماع على تجاوز تلك النقطة إلى نقاط وبنود أكثر أهمية. «
وحول اتفاق المصالحة الذي تمخض عن مبادرته، أوضح مسؤول ملف المصالحة مصراتة تاورغاء، أن المبادرة شجعت الكثيرين على التفكير في الصلح، والتراجع عن المواقف المتعنتة، لتقليص درجة الاحتقان، وتفكيك الأحقاد بين الجميع. وأضاف في هذا السياق: «تواصلت مع كل المتضررين في مصراتة، وشاركوني المبادرة، وتفهموا جيدًا ماذا يعني جلب السلام إلى ليبيا، كما تنازلوا عن نقاط، بعد جدل كان في مجمله يسير في مصلحة الوطن، والمحصلة كانت رضا الجميع عن نتائج الاتفاق والمصالحة .«
وبالنسبة لمعارضي المبادرة، يرى زرزاح أنهم في مجملهم من غير المتضررين من الحرب ضد القذافي، وأضاف: « ستجدهم على صفحات التواصل الاجتماعي، يشككون في مصداقية المبادرة، ويكيلون المعلومات المغلوطة. كل هذا ستنفيه عودة سكان تاورغاء إلى ديارهم تدريجيًّا وقريبًا، وسيتوافق ذلك مع تنفيذ خطوات الاتفاق في مواعيدها، لاسيما أننا سنواصل لقاءاتنا في مواعيد محددة مع أعضاء ملف مصراتة - تاورغاء للمصالحة وإنجاز بقية بنود الاتفاق .«