حقيقة الميدان أكّدت للجميع أنّ حكومة السرّاج تراوح مكانها في الغرب اللّيبي في حين أنّ حفتر تمكّن من دحر كلّ المجموعات المسلّحة في الشّرق وفرض سلطة الجيش والشّرطة في الشّارع، علاوة على سيطرته على حقول النّفط.
وإن بدأت هذه الصّورة في التّشكّل منذ أشهر، فإنّ السّاسة الغربيّين لم يعترفوا بها إلاّ منذ بضع أسابيع وخاصّة إثر عودة سيلان النّفط من موانئ الشّرق اللّيبي. أضف إلى ذلك الصّورة المهتزّة للأمن في طرابلس مقابل توجّه الأمور نحو الاستقرار في الشّرق.
وقد أقرٌ الاتحاد الأوروبي وبعد فترة من الصمت بخطورة الموقف الأمني في طرابلس فيما اُعْتُبِر بداية تحول في موقفه في معاينة الوضع داخل العاصمة الليبية التي يتقاسم إدارتها الأمنية عدد من التنظيمات والجماعات المسلحة. وقالت ناطقة باسم الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الخميس 13 أكتوبر: «إن الاتحاد على دراية بخطورة الموقف في طرابلس خاصة وفي ليبيا عامة ويعتبر أن الحل السياسي وليس العسكري هو الأمثل لحلحلة الأزمة في البلاد».
وكان الاتحاد الأوروبي يمتنع حتى الآن على الإشارة إلى طبيعة التطورات الأمنية الخطيرة المسجلة في العاصمة الليبية رغم تعدد حالات الخطف والاغتيال، فقد كان متمسّكا بتقديم الدعم السياسي للمجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج دون أيّ نقد جانبي. ولم يتمكن الاتحاد رغم وعوده من إعادة تسيير مكتبه في ليبيا أو نشر عناصر المهمة الأمنية الأوروبية (يوبام - ليبيا) داخل الأراضي الليبية.
ولعلّ مشاركة وفد يمثّل البرلمان والجيش يوم الأربعاء 12 أكتوبر في ندوة بالبرلمان الأوروبي ببروكسيل قد أثّرت في موقف دول الاتّحاد مثلما توحي به التّدخّلات أثناء الجلسة. وقد تكوّن الوفد اللّيبي من النّائب طارق الجروشي رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب والعميد عون إبراهيم سالم والعقيد خالد علي فرج. وقد أدار هذه الندوة النائب الإسباني خافير نارت، عضو لجنة الشؤون الخارجية ولجنة شؤون الدفاع بالبرلمان الأوروبي، وحضرها ممثل عن قسم العمل الخارجي الأوروبي وخبراء ودبلوماسيون.
وقد كانت الندوة فرصة للاستماع لوجهة نظر أخرى حول الوضع السّائد في ليبيا ممّا جعل النائب الإسباني يشير إلى "التناقض الصارخ في موقف المجتمع الدولي الذي لا يميز بين مفهوم الاعتراف الخارجي بحكومة ما، وبين حصولها الفعلي على شرعية في الداخل". كما أكّد على أنّ " هذه النقطة الحيوية تمثل عنصر الضعف الأول في المقاربة الأوروبية للأزمة الليبية، وانحياز الاتحاد الأوروبي غير المبرر لطرف دون آخر، وعدم تمكنه من إحداث ثغرة حاسمة وعملية لحلحلة الأزمة التي تضر بمجمل المنطقة، وبسياسة الجوار الأوروبي نفسها".
وقالت الناطقة الأوروبية غداة هذه النّدوة، في صيغة قريبة للتّبرير أكثر منها للإعلام : «إن الاتحاد يراهن على الحل السياسي ولهذا دعم اتفاق الصخيرات ودعم المجلس الرئاسي.. ولكنه مدرك أيضًا للمصاعب السياسية الحالية ويصر على ضرورة اعتماد حكومة جديدة في البلاد بشكل سريع». ووجهت الناطقة نداءً «للمسئولين السياسيين وإلى القيادات العسكرية لتجنب النزاع والبحث عن حل وسط حول تشكيل حكومة وضمان أمن مرفق النفط وتأمين إدارة النفط من قبل المؤسسة الوطنية لصالح الشعب الليبي».
وأشارت الناطقة الأوروبية إلى الدعم الذي يقدمه الاتحاد للسلطات الليبية لضمان الخدمات الأساسية للسكان وتقديم عون مباشر للمواطنين الذين يواجهون متاعب وخاصة المرحلين». وأعربت الناطقة مجددًا عن استعداد الاتحاد لتوفير الدعم الأمني للسلطات الليبية إذا ما طلبت ذلك (...)
ويقول الدبلوماسيون إن الاتحاد الأوروبي بات يقر بحدود معاينته السياسية للأزمة الليبية بسبب وصول محاولات إقناع الجماعات المسلحة في طرابلس بالتخلي عن قبضتها على العاصمة إلى طريق مسدود وعدم تمكن المجلس الرئاسي من انتزاع أدوات تمكنه من السيطرة الأمنية على العاصمة بشكل يسمح له بالتركيز على المسائل الحيوية الأخرى.
وقال مصدر دبلوماسي في بروكسل، لـ « أصوات الكثبان»، إن الوضع الأمني الصعب بات يدركه الجميع ولكن لا يجب أن يحول دون توفير الخدمات الأساسية للسكان والذين يواجهون متاعب يصعب تحملها .وأشار المصدر إلى تأخر الدراسة وتعثر الخدمات الصحية وشلل الخدمات الأساسية وارتفاع الأسعار والانهيار الأمني المتفاقم، حسب قوله.
الموقف الخارجي اليوم في مفترق طرق أمام الأزمة في ليبيا. فلا حلّ اليوم في ليبيا حسب رأي الجميع إلاّ بوفاق يجد سبيله إلى أرض الواقع. والمشير حفتر حقّق خطوات هامّة في هذا المجال لا يمكن إلاّ أن تُحسبُ له سياسيّا. لذا، لا بُدَّ من أن يكون له مكان في المشهد السّياسي والعسكري.
معادلة صعبة إذا عرفنا حجم المسافة بين حفتر وأطراف لها وزنها في الغرب اللّيبي.