سوف لن تبتلعهم الصّحراء وتقارير المخابرات تقول أنّ مقاتلي «داعش» ينحدرون من قرابة الخمسين جنسيّة.
وإن كان السّؤال يُطرح اليوم بأكثر إلحاح في سرت اللّيبيّة نظرا لأنّ المسألة قد حُسِمت عسكريّا ولم تبقَ ل«داعش» سِوى بعض الجيوب في سرت كما هو الأمر في بنغازي.
وهذا الإشكال المطروح في ليبيا ذكّرني بما قاله حسين لمراسل وكالة أصوات الكثبان وهو شابّ امازيغي في الثّلاثين من عمره، قاطن في تمبوكتو. ذكر حسين كيف أنّ: "سكّان تمبوكتو وكيدال من الأمازيغ القاطنين شمال مالي يتنقّلون بسهولة بين مناطقهم وجنوب الجزائر وشمال النيجر والتشاد، وصولا إلى الشّمال الغربي للسّودان ". وقال حسين أنّهم "لا يستعملون جوازات سفر لعبور مختلف هذه الحدود ".
تصريحات حسين هذه جالت بخاطري وأنا أراجع المعلومات الواردة علينا حول مصير مقاتلي «داعش».
أضعف التّقديرات تقول أنّه كان ل«داعش» بين 1200 و1500 مقاتلا في سرت. في حين تقول تقارير أخرى أنّ هذه المجموعات المسلّحة تتجاوز الأربعة آلاف فردا. وإن كان التّعداد الأخير صادرا عن وكالة الاستخبارات الأمريكيّة، فإنّ الوضع على الأرض يفيد بعكس ذلك. فلا تحرّكات كبيرة نحو الجنوب في ظلّ استحالة التّحرّك نحو الشّرق والغرب. كما أنّ قتلى «داعش» ليسوا بالآف. ولكن، وإن كان المنسحبون بضع مئاتٍ فإلى أين سيذهبون ؟
وهنا تتنزّل كلمات حسين الأمازيغي المتبختر على هواه في الصّحراء المترامية الأطراف. ما قام به ذلك الشّابّ بإمكانيّات بسيطة، يمكن لجحافل «داعش» القيام به، خاصّة وأنّ لهم قرابة الانتماء مع مجموعات شبيهة في شمالي مالي، هذا دون الحديث عن مجموعة بوكو حرام في نيجيريا.
وكانت جهات دولية، من بينها الأمم المتحدة، قد أبدت تخوفها من تداعيات محتملة لهزيمة «داعش» على نشاطه في دول أخرى كمصر وتونس والجزائر. وإن كانت مالي لم تُذْكر، فهي المعنيّة بالدّرجة الأولى بإمكانيّة هروب الدّواعش إليها نظرا لغياب الدّولة في مناطق شاسعة من هذا البلد مثلما توضّحه الأحداث الأخيرة في أحواز تمبوكتو وكيدال شمال مالي رغم وجود القوّات الدّوليّة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد أعرب عن تخوفه من انتقال عناصر «داعش» من سرت إلى مناطق ودول مجاورة، مشيرًا في تقرير بعث به إلى مجلس الأمن، إلى أن الضغوط التي تُمَارَسُ على التنظيم قد تجبر عناصره بمن فيهم المقاتلون الأجانب على نقل مواقعهم وإعادة التجمع في خلايا أصغر وأكثر انتشارًا جغرافيًا عبر ليبيا وفي الدول المجاورة.
وتُعَدُّ تونس أكثر بلد عرضة للتأثر بخروج «داعش» من سرت، كون عدد أبنائها المنخرطين في صفوف هذا التنظيم هو في حدود الألف، في ليبيا فقط، وفق تصريح لوزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني الذي كان قلّل، في الوقت نفسه، من مصداقية تقارير قالت إنهم أكثر من ثلاثة آلاف. الحرشاني اتّخذ إذن نفس التّحفّظ الّذي اختاره هذا التّقرير منذ بدايته حول القوّة العدديّة لداعش.
وكان الحرشاني قد أبدى أسفه في تصريحات أطلقها في سبتمبر الماضي حول غياب استراتيجية إقليمية لمواجهة مشكلة المقاتلين الأجانب في ليبيا. وقال إن «الدول تتعامل مع المسألة يومًا بيوم»، مضيفًا: «الحرب على الإرهاب هي حرب شاملة. إذا عالجنا الإرهاب فقط على المستوى الأمني والعسكري فسوف لن ننجح في القضاء عليه».
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة الّتي تبذلها كل من مصر والجزائر لمنع عناصر «داعش» من التسلل إلى أراضيها عبر الحدود الليبية، فقد كشفت تقارير إعلامية عن وجود تداخل بين نشاط التنظيم في سرت وعناصر من كلا البلدين، مستشهدة بما ورد أخيرًا في بيان لوزارة الداخلية الإيطالية عن ضبط شبكة تضم مصريين وجزائريين يعملون لتجنيد شباب مسلم لإرساله إلى ليبيا.
كما أنّ وزير الداخلية الإيطالي، أنجيلينو ألفانو، قد كشف أوائل نوفمبر 2016 عن ضبط مصريين وجزائري يقومون بترويج مواد جهادية على شبكة الانترنت، بغرض تجنيد مقاتلين وإرسالهم إلى ليبيا وسوريا. وأشار وزير الداخلية الإيطالي إلى أنه تم توقيف أشخاص يحملون الجنسية المصرية بين ليغوريا ولومبارديا كانوا ينشرون مواد جهادية على شبكة الإنترنت ويدعون إلى تجنيد مقاتلين من شمال أفريقيا لإرسالهم إلى الأراضي السورية والليبية لصالح تنظيم «داعش».
مصادر رسميّة فرنسيّة كانت حذرت هي أيضا في أواخر أوت 2016 من خطر انتقال عناصر من تنظيم «داعش» إلى تونس أو مصر، عندما يتم طردهم من المناطق التي يحتلونها في ليبيا.
كما اتّخذ وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، خلال مؤتمر صحفي عقده في الخامس من سبتمبر 2016، نفس موقف زميله التّونسي الحرشاني وعبّر هو الآخر عن أسفه لعدم تشاور دول الجوار وبينها فرنسا وإيطاليا لمواجهة هذا التهديد، مضيفًا أنه «يتعين علينا أن نضع في الحسبان بشكل جدي انتشار الإرهابيين بعد استعادة سرت وربما بنغازي من أيديهم».
ويعلّق المحلّل اللّيبي عزالدين عقيل على هذا الأمر قائلا : "كلّ العالم إذن لا يدري كيف يتصرّف مع بقايا «داعش» والحال وأنّهم رعَوْها وهي تنمو وتتعزّز".