يحدث ذلك بالرّغم من أن ليبيا شهدت منذ سنة 2011 انتخابات المؤتمر الوطني العام التي انتظمت في 7 جويلية 2012 و انتخابات البرلمان المنعقدة في 25 جوان 2014. كان هنالك أيضا انتخابات لجنة الستّين لتحرير الدّستور في مارس 2014 و الانتخابات البلديّة في ربيع 2014. و بالتّالي لا يمكن القول بأن هنالك تقصير في محاولات التقدّم على درب الانتقال الدّيمقراطي. " إلاّ أن بعض الأحزاب السّياسية لا تقبل النتائج التي جاء بها الصّندوق"، كما يقول الأكاديمي اللّيبي رمزي رميح.
و يواصل الأكاديمي قائلا : " هذه المجموعات لا تريد أن تفهم أن اللّيبيّين مسلمون و أنّهم في نفس الوقت يرفضون الإسلام السياسي مثلما أكّدت ذلك نتائج الانتخابات المختلفة التي أُجريت في الماضي و ستؤكّده كذلك، و بدون أيّ أدنى شكّ، تلك التي ستُجرى في المستقبل ". و نفس التقييم للوضع نجده في تصريحات قيادات منتدى الحكم الذّاتي للمرأة و الشباب (FWYE) و كذلك في تصريحات المركز اللّيبي للتنمية و حقوق الإنسان (LCDHR) و هو ما يعيق المسار الذي تقوده منظمة الأمم المتّحدة منذ نحو العام من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنيّة.
حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها فائز سرّاج تجد صعوبة قصوى في الحصول على ثقة برلمان طبرق مثلما ينصّ على ذلك اتّفاق الصخيرات الذي وقع إمضاؤه في نهاية ديسمبر الماضي و ذلك على الرّغم من أن سرّاج حاول أن يجعل كلّ التيّارات السياسيّة و الجهات و القبائل ممثّلة داخل حكومة تتكوّن من ثلاثة عشر وزيرا و خمسة كتّاب دولة و من بين أعضائها تسعة يشكّلون المجلس الرّئاسي. في أثناء كلّ ذلك يواصل المجتمع الدّولي الضغط من أجل إيجاد حلّ سياسيّ للأزمة بسبب تفاقم خطورة التهديدات الجهاديّة.
و حتّى تكون هذه الحكومة فاعلة يجب أن تصادق عليها أغلبية تتكوّن من ثلثي برلمان طبرق و هو أمر ليس بالهيّن خاصّة و أن انشقاقا هامّا يقسّم النوّاب في ما يتعلّق بتحديد عمليّ لهذه الأغلبيّة. و ينبّه نائب طرابلس، و هو الأستاذ الجامعي علي تكبالي، قائلا : " يجب الحصول على 120 صوتا من جملة 180 عضوا في البرلمان و هذا مستحيل فعلا لأن الاجتماعات بالكاد نتمكّن من عقدها ببلوغ نصاب من 91 نائبا حاضرين " كما يؤكّد محدثنا كذلك على الانشقاقات الواقعة صلب مجلس رئاسة للحكومة.
و لا يرى تكبالي أن هذه الحكومة قادرة على نيل ثقة البرلمان بما أنّ " عشرات النوّاب، و بالخصوص أولئك المنتمون للمناطق الغربية، لم يتنقّلوا للقدوم إلى طبرق خوفا على حياتهم ". و يواصل محدّثنا متسائلا : " نائب الرّئيس، على قطراني، و هو نائب عن برقة يرفض المصادقة على الحكومة. و عمر الأسود نائب الرئيس الآخر و ممثّل قبيلة الزنتان يتّهم الحكومة بالفساد و بأنّها لعبة في أيدي الإخوان المسلمين... و بالتالي عن أي توافق نتحدّث ؟! ".
صحيح أن سرّاج حاول إيجاد تركيبة حكومية متوازنة لحكومته عبر تشكيل فريق يجمع كلّ الجهات : تسعة للغرب (طرابلس)، ثمانية للشرق (برقة) و سبعة للجنوب (فزان). لكن التباين الجغرافي بينها لا يزال يتسبّب في الكثير من الحساسيّات بالرّغم من أن وزارات السيادة وقع توزيعها على الجهات الثلاث بحيث ذهبت حقيبة الدّفاع إلى مهدي برغثي (الشرق) و حقيبة الدّاخليّة إلى عارف خوجة (الغرب) و سُلّمت حقيبة العدل إلى عبد السلام جنادي (الجنوب) في حين استلم حقيبة الشؤون الخارجية مروان بوسراول (الغرب). لكن على ما يبدو فإنّ تقسيما كهذا كان له من الرّافضين أكثر ممّا كان متوقّعا و لذلك فإن حكومة سرّاج قد لا تحصل على ثقة البرلمان و ذلك بالرّغم من كلّ المساعي التي يبذلها مبعوث الأمم المتحدة مارتن كوبلر و معه المجتمع الدّولي.
و يتكوّن البرلمان اللّيبي من 200 عضو لكن انتخابات 25 جوان 2014 لم تشمل سوى 184 كرسيا بما أنه كان من المستحيل آنذاك تنظيم انتخابات في مناطق مثل درنة و جميل بالغرب اللّيبي. و عندما خسر الإسلاميون الانتخابات رفضوا الانتقال السلمي للسلطة من المجلس الوطني العام (CNG) الذي يهيمنون عليه إلى البرلمان الجديد المنتخب أي أنهم أعادوا إحياء هذا الهيكل المنحلّ قانونيّا و قاطعوا البرلمان المنتخب و قاموا بطرد الحكومة الشرعية لينصّبوا مكانها حكومة تأتمر بأوامرهم.
و لئن كان عدد المقاطعين لجلسات البرلمان الأولى المنعقدة بطبرق في سبتمبر 2014 لا يتجاوز الأربعين نائبا بين إسلاميّين و موالين لهم، فإن هذه البهلوانيّات السياسيّة، و معها تعمّق الانقسام بين الشرق و الغرب و تركيز سلطتين اثنين، كانت نتيجتها أن نحو المائة نائب فقط هم من باتوا يحضرون بانتظام جلسات برلمان طبرق المعترف به من قبل المجتمع الدّولي. و من جهة أخرى، فإن الجنرال خليفة حفتر، و هو القائد الأعلى للقوّات المسلّحة اللّيبية القانونيّة، و المعيّن من طرف هذا البرلمان مرفوض بشدّة في الغرب الّيبي لأنه منع الإسلاميين من السيطرة على بنغازي و قام بحماية البرلمان الذي لا يعترفون به.
اليوم، ليبيا مقسّمة سياسيّا و عسكريّا. و كثيرون من نوّاب الغرب اللّيبي، بل و حتّى من بين المساندين لحكومة سرّاج يخافون من الذهاب إلى طبرق، خشية من أن يتمّ اختطافهم مثل ما حدث مع نائب مصراطة، محمد رايض، الذي بقي محتجزا لمدّة ثلاثة أيام من قبل عائلة لها ابن مسجون بمصراطة. هذا النائب كان قد ذهب يوم 27 جانفي المنقضي لأداء القسم. و البارحة كان هنالك بالكاد 115 نائبا حاضرون في جلسة لمناقشة تشكيل الحكومة الانتقالية و كان من بينهم نحو 40 نائبا من كتلة العمل الوطني و الذين ينحدرون بالخصوص من الشرق و الجنوب و يرفضون التركيبة الحالية للحكومة مشترطين بحسب ناطقهم الرسمي خالد ترجمان أن يقع إقصاء بعض الوزراء الذين في رصيدهم ملفات فساد.
أمّا على أرض المعركة فتسود حالة من الفوضى العارمة... ففي الغرب تقع القوّات المسلّحة القانونيّة تحت هيمنة الميليشيات و ذلك سواء على واجهة طرابلس أو مصراطة أو الزنتان. أمّا الدّرع الغربي على مستوى طرابلس و صبراطة و في منطقة الوسط على مستوى مصراطة فتقع القوّاة المسلّحة بين يدي ميليشيات معروفة بولائها للمدعو صالح بادي (الوسط) أو المسمّى عبد الوهاب محمد ڨايد (طرابلس) و هو شقيق أبي يحيى اللّيبي. و يتساءل الملاحظون عن هويّة القوّات المسلّحة الذين سيتولّون حماية حكومة سرّاج عندما ستقرّر التحوّل للاستقرار في العاصمة طرابلس خاصة و أن قوات الجنرال حفتر مرفوضة في الغرب.
كلّ هذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن الانتقال الديمقراطي مازال بعيدا في ليبيا.