فأوّل كائن سيعترضُكَ صباحا هي صاحبة البيت أو ابنتُها الكبرى، الّتي تستيقظ فجرا من أجل السّعي للحصول على الماء، وهي مهمّة المرأة في البراري وقد يضطرّها لقطع مسافات كبيرة إن شحّت البئر القريبة. ويحدث دوريّا في هذه المجتمعات أن تتنقّل المجموعة السكّانيّة للاقتراب من مصادر المياه.
تقول البيّة، ربّة عائلة في منطقة تبعد 18 كيلومترا داخل التّراب اللّيبي على الحدود مع تونس : "نحن نسكن هنا في الشّتاء نظرا لوجود بئر قريبة ومرعى لحيواناتنا، الماء هنا حلو والكلأ نظيف. ولكنّنا نضطرّ للانتقال صيفا إلى محيط ذهيبة، قرب الحدود التّونسيّة، نظرا لوفرة المياه هناك ولكنّنا نغادر المنطقة سريعا نظرا لعدم قدرتنا على دفع معاليم الماء والرّعي لمدّة طويلة ".
تروي لنا البيّة كيف أنّها تذهب فجرا ، مرّة كلّ يومين، لجلب المياه من البئر الّتي توجد على بعد ثلاث كيلومترات عن مقرّ عائلتها. البيّة تستعمل عربة مجرورة بحمار للقيام بمهمّة تعبئة الصّهريج ويستغرق تنقّلها قرابة السّاعتين، تقضي أغلبها في عمليّة التّعبئة لأنّها تحمل كذلك أواني جيرانها.
عند عودتها من جلب الماء، تشعل البيّة النّار لشحن 'الطّابونة ' لإعداد الخبز وطهي الشّاي. عجين الخبز تعِدّه ربّة المنزل منذ اللّيلة الفائتة وتتركه يتخمّر ببطء. ومع انتشار رائحة الخبز، يبدأ أفراد العائلة في الظّهور.
في الأثناء، تُعِدّ البيّة صحفة من عصيدة حُمص بزيت الزّيتون وتدعو أفراد العائلة للتحلّق حولها فيَغْمس كلّ فرد تمرا في الصّحفة ويأكله منقّعا بالعصيدة. "لا يمكن أن تبدأ نهارك ناشطا دون هذه الخليط المغذّي وكأس الشّاي اللّذيذ".
لا تكاد المرأة تنهي توزيعها للشّاي حتّى تشرع في إعداد الطّعام حسب ما هو متوفّر لديها من لحم أو خضر وغيرها من المستحضرات. تترك البيّة الطّعام على النّار وتذهب إلى غنمها خلف الخيمة لإخراجها استعدادا للذّهاب للمرعى. وما إن تنتهي البيّة من الطّبخ حتّى تسوق حيواناتها أمامها إلى المرعى إذا لم يكن لديها عمل فلاحيّ للقيام به.
يقتصر عمل سالم، زوج البيّة على النّشاط الفلاحي إن تواجدوا في محيط يمكّنهم من زراعة بعض المغروسات ومتابعتها. كما أن سالم يشتغل أحيانا أخرى في الواحات للمساعدة في جني التّمور.
البيّة تستيقظ إذن عند بزوغ الفجر وتُعِدُّ جميع ما يلزم العائلة ثم يستيقظ الزوج والأبناء ليجدوا كل ما يحتاجونه جاهزا. بعد ذلك، تباشر النسق المتسارع لمهامها اليومية، ومن ثمّة تقصد عملها الذي يكون في أغلب الحالات فلاحيا فتراها تتفانى فيه وترعى الأرض والنباتات والمواشي بنفس الحرص الذي ترعى به صغارها.
ورغم المساهمة الفعّالة لنساء مثل البيّة في حياتهم اليوميّة واقتصادهم الأسري، إلا أنهن يعشن في بلدان لا تقوم بالجهد الكافي من أجل تعزيز حقوق النّساء وإدماجهن في مواقع صنع القرار، وتقريب الخدمات الأساسية لهن، وتوفير فرص العمل، والتّكوين في ظروف ملائمة. وتقر المنظمات والجمعيات الحقوقية والنسوية في دول المغرب وشمالي افريقيا أن المرأة الريفية هي الأكثر تضررا من الفقر، ومن هشاشة العمل غير المهيكل ومن قلّة التشريك في قرارات الجماعات وهو ما يدفع للعمل على النهوض بها والتركيز عليها أكثر من المرأة في المناطق الحضرية. ولعلّ المرأة في الصّحراء تستحقّ العناية والاهتمام أكثر من الجميع نظرا لصعوبة الظّروف الّتي تعيش فيها.
غياب العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين النساء والرجال تجمع نساء العالم في سلة واحدة ولكنها تبرز بشكل ملحوظ في مثل هذه الأقاليم، فالوضعية الحقوقية لنساء مثل البيّة غير مبوّب نظرا للهشاشة الحادّة لوضعها الاجتماعي حتّى بالمقارنة للمرأة الريفية.