يقول جمال سبهاوي، وعمره 30 عاما، الذي خضع لعملية جراحية في المركز منذ 6 سنوات " ما إن تتجاوز الباب الرّئيسي لمركز سبها الطّبّي حتّى تدرك أن الأمور تغيرت للأسوأ فالحديقة الخارجية لم تعد تحتوي على تلك الأزهار البنفسجيّة الّتي سحرتني بجمالها وأنستني ألمي. كما أنّ الصفوف المتراصّة من المواطنين لم تكن موجودة، على العكس، كان الهدوء هو السّمة الأساسيّة في هذا المكان. حتّى التّدخين لم يعد ممنوعا رغم التحذيرات المعلقة في كل مكان".
مدير المركز، الدّكتور عبد الرّحمن بالحسن عريش، أصبح مضطرّا للنّزول بصفة شبه يوميّة إلى الأقسام الطبية لتهدئة الخواطر. ويقول الدكتور عبد الرّحمن لمراسل أصوات الكثبان "نحن نتفهّم غضب المرضى ومرافقيهم بسبب تردّي المرافق الأساسيّة بهذا المركز الطبي الرّئيسي بالجنوب اللّيبي وحتّى وعود الحكومات المتعاقبة شرقا وغربا لتحسين الأوضاع لم تحقق على أرض الواقع".
ويؤكّد الدّكتور ما يشتكي منه المرضى من تأخير في الأنظمة العلاجيّة والعمليّات الجراحيّة ويوضّح أنّ ذلك يعود أساسا للانقطاعات المتكرّرة للتيار الكهربائي والفقدان المستمرّ تقريبا للأدوية والمستحضرات الطبية.
وكان مشروع الأمم المتّحدة للإنماء قد أنقذ مركز سبها الطبي من التأجيل المتكرّر للعمليّات الجراحية وعدم انتظام عمل دورية تصفية الكلى بشكل منتظم بسبب الانقطاع المتكرّر للكهرباء بتركيب منظومة للطاقة الشمسية بقوّة 50 كيلو وات في أوائل فيفري 2017 لضمان استمرار الطّاقة الكهربائية في أقسام العناية الفائقة والعمليات.
ولكن الفرحة لم تكن مكتملة بما أنّ مخزون الدّواء قد نفد أو يكاد ممّا دفع بمدير المركز إلى إعلان حالة الطّوارئ القصوى وإطلاق صافرة إنذار إلى وزَارَتَيْ الصحّة بطرابلس وبنغازي، منبّها إلى أنّ البنية الصحية بالجنوب اللّيبي مهدّدة بالانهيار.
وللدّلالة على تواصل الأزمة منذ ربيع 2015، تكفي الإشارة إلى صيحات الاستغاثة الّتي يطلقها دوريا مدير الصيدلية بمركز سبها الطبي، الدكتور عمر المرابط، ليحذر من توقف المركز عن النّشاط في غضون أيّام معدودات بسبب النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.
ويوضّح المرابط، بالإحصائيات، كيف أن العجز يشمل كافّة الأقسام وأنّ المشفى لم يعد قادرا على مواصلة تقديم خدماته الصحّيّة مشيرا إلى أنه أصبح يطرق أبواب جميع المسؤولين من عميد بلديّة ونوّاب ليُطلعهم على ما آلت إليه الأمور،كذلك يتحرّك المواطنون وجمعيّات المجتمع المدني ومواقع التّواصل الاجتماعي، وعندها فقط يُفتَحُ جزئيّا باب الفرج.
ويذكر الدّكتور عمر كيف أنّ المركز أصبح مضطرّا إلى هذه الحملات كلّ شهرين أو ثلاثة واصفا الأمر بأنه " متعب للجميع من إدارة مركز وأطبّاء ومرضى".
ويشخّص الدّكتور محمود عبدو، أخصّائي العظام ما آلت إليه الأمور بالمركز الطبّي بسبها كالآتي "يعيش قسم العمليّات في المركز على المساعدات الشهرية الّتي تقدّمها اللجنة الدولية للصليب الاحمر والمتمثّلة في مواد تحتاجها العمليات مثل بنج التخدير وهذه المساعدات لا تكفي سوى ما بين 50 و 80 حالة مرضية طارئة يستوفيها الأطبّاء ثمّ يبقون تحت رحمة الإعانات بما أنّ معدل التّدخلات الجراحيّة الّتي تحتاج هذا النّوع من الأدوية يتجاوز الـ300".
أمّا فيما يتعلّق بالأدوية العامة الموصوفة للمرضى، فيوضح الدكتور محمود عبدو أنها "لم تعد موجودة بصيدليّة المركز ولا بباقي صيدليّات مستشفيات المنطقة الجنوبية ونعني علي سبيل المثال لا الحصر أدوية الضغط والسكر والمضادات الحيوية وأيضا أدوية الأطفال ومنها أدوية السعال والحرارة والمضادات الحيوية وجميع الأدوية العامة التي تجلبها عادة الدولة فقد أصبح المواطن مضطرّا لشرائها من الصّيدليّات الخاصّة وسط ارتفاع رهيب في الأسعار".
كما يشير الدّكتور محمود إلى "ما تتعرّض له العناصر الطبية والطبية المساعدة من عنف مادّي وجسدي من طرف مرافقي المرضى والجرحى ويصل الأمر حتّى التّهديد باستعمال السلاح ضدّهم ممّا دفعهم للقيام بأربع وقفات احتجاجيّة العام الماضي للمطالبة بتوفير الحماية لهم أثناء العمل، وقد قدّم عدد من العاملين استقالاتهم جرّاء ما تعرّضوا له من تهديدات".
ويُضيف الدّكتور أن "قسم المختبرات ومصرف الدم بالمركز قد أصبحا، منذ صيف 2015، يوجّهان النداء تلو الآخر إلى المواطنين للتبرع بالدم تبعا للنّقص الحادّ في جميع كميات الدم من كل الفصائل. وقد تمكّنا بفضل هذا الموجود من توفير الكمّيات الكافية من الدّم لمواجهة الحالات الطّارئة".
ويقول الشّابّ محمّد عبداللّه "ما عساي أفعل لأبي غير أن آتي به إلى هذا المستشفى فهو يحتاج إلى عملية تخلّصه من الحصى في الكلى. أتعاب هذه العملية 1500 دولارا أي ما يعادل ألفي دينار قبل انهيار سعر الدينار. أمّا اليوم فالـ1500 دولارا تعني حوالي 10 آلاف دينار فمن أين لي بهذا المبلغ؟".