"قد يبدو السور الوسيلة الأسهل في الوصول إلى التراب الأوروبي، إلا أنه الأصعب على الإطلاق خصوصا مع التحديثات التي تقوم بها كل من السلطات المغربية والإسبانية على حد سواء من حين لآخر من أجل منعنا من الدخول" هكذا قال فيليكس موضحاً أن "كل هذه الجهود لن تمنعه من تحقيق حلمه، حيث أن المسافة بينه وبين أوروبا أصبحت لا تتجاوز الكيلومترات، وهو شيء لا يمكن مقارنته أبداً بالمسافة التي قطعها من بلده إلى هنا، عبر الصحاري والغابات، متحديا الصعاب ومتذوقا طعم الموت في أكثر من مرة".
من جهته، كَفَرَ مامادو بالنعيم الأوروبي بعد أن أنهكته المحاولات المتواصلة لتسلق السور الشائك، حيث تعرض لمدة تزيد عن الأربع سنوات للذل والمهانة كلما اقترب من هذا المكان الذي حاول فيه أكثر من مرة العبور، إلا أن صعوبة الأمر وارتفاع السور الذي يبلغ قرابة 8 أمتار جعلاه يستسلم، خصوصا بعد أن قضى في إحدى المرات أزيد من 38 ساعة معلقا دون ماء أو طعام، نظرا لصعوبة تكرار الفرصة مرة أخرى، ولإصراره الشديد على الوصول إلى الجهة المقابلة مهما كلف الأمر.
وأكد مامادو القادم من جنوب نيجيريا، أن مكوثه في غابة بليونش (أقرب نقطة لمدينة سبتة)، أصبح لا يطاق، حيث بدأ يفكر جديا في الاستقرار في المغرب بشكل نهائي، أو العودة إلى بلده الأم رغم الوضع الكارثي هناك، مضيفاً أن أوروبا رفضت وجوده فيها على الرغم من أنه هارب من الجحيم والفقر ويبحث فقط عن حياة كريمة له ولعائلته، وهو حق إنساني مكفول له.
مامادو وفيليكس ليسا الوحيدان اللذان اختارا الاختباء في غابات منطقة بليونش، المتميزة بكثافتها ووعورة تضاريسها، فقد انضم إليهما طيلة السنوات الماضية أكثر من 40 ألف مهاجر منحدر من دول إفريقيا جنوب الصحراء، حسب إحصاءات رسمية أكدها مرصد الشمال لحقوق الإنسان (هيئة مدنية حقوقية).
وبهذا الخصوص، أوضح محمد بن عيسى، رئيس المرصد، أن المهاجرين المتواجدين بهذه المنطقة الحدودية يحاولون بين الفينة والأخرى تسلق سور مدينة سبتة، إلا أن اللذين يفشلون في القيام بذلك يتم تدوين بياناتهم من طرف السلطات المغربية، قبل نقلهم عبر حافلات إلى مدن الجنوب (أغادير، ورزازات، تزنيت...)، وذلك تفعيلا لاتفاقية وقعها المغرب مع الاتحاد الأوروبي سنة 1992، بخصوص تنقل الأشخاص والعبور وإعادة قبول الأجانب الذين دخلوا بصفة غير قانونية.
وأضاف بن عيسى، أن الاتفاقية تنص على السماح للسلطات الإسبانية بإعادة المهاجرين غير النظاميين المتسللين سراً إلى إسبانيا إلى الأراضي المغربية، مغاربة كانوا أم من دول أخرى، فوراً، وفي أجل لا يتعدى عشرة أيام في إطار لجنة مشتركة، تقوم بتدارس إجراءات ومعايير التعويض المترتب عن إعادة قبول الأجانب المبعدين، وتنظم أجهزة لمراقبة الحدود وتجهيز وتأهيل المكلفين بمراقبتهما، في الوقت الذي تنص فيه المادة الخامسة من ذات الاتفاقية على أن تُرحل المملكة المهاجرين غير النظاميين في أقرب وقت إلى بلدهم الأصلي من أجل منعهم من تكرار المحاولة.
أما محمد أرباط، صحفي متخصص في قضايا الهجرة، فقد أكد أن هذه المحاولات جاءت بعد أن أصبح من شبه المستحيل الهجرة بواسطة قوارب مطاطية أو اختباء في إحدى الشاحنات المخصصة للنقل الدولي. فالإجراءات الصارمة التي باتت تنهجها عناصر مراقبة الحدود وعناصر البحرية، جعلت هذه المحاولات محكوماً عليها بالفشل قبل انطلاقها، وتعرض أصحابها لإمكانية الترحيل إلى بلدانهم الأصلية، وبالتالي ضياع المجهود الذي بذله هؤلاء في سبيل الوصول إلى ما هم عليه الأن.
وأوضح الصحفي، أن عدد المحاولات شهد ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، حيث يقوم بين الفينة والأخرى، الآلاف من المهاجرين السريين، باقتحام جماعي للسور الفاصل، مضيفا أنهم يختارون للقيام بذلك أوقاتا محددة بعناية تتزامن مع مواعيد العطل الرسمية أو مواعيد إجراء مقابلات هامة في كرة القدم، نظرا لأن هذه الفترات يتم فيها منح إجازة لعدد من العاملين بالقرب من السور، وهو ما يساعدهم على إنجاز مهمتهم على أكمل وجه.
وعلى الرغم من فشل المحاولات، يبقى أمل المهاجرين كبيرا في ولوج التراب الأوروبي، عله يغير ماضيهم الأليم بمستقبل أفضل، ويمنحهم وعائلاتهم بعضا من الحقوق التي حرموا منها في بلدانهم الأصلية.
ويبقى عدد المنخرطين في هذه المحاولات غير محدد، نظرا للتكتم والسرية من طرف المهاجرين، وكذا لعدم وجود قاعدة بيانات واضحة سواء لدى السلطات المغربية أو الإسبانية، إلا أن أغلب التقديرات تذهب نحو كون أزيد من عشرة آلاف مهاجر يحاولون بشكل سنوي الدخول إلى الأراضي التابعة للنفوذ الإسباني.