وكشف تقرير للتشريح الطبي تم إعداده بالمستشفى الإقليمي بالحسيمة، وتوصل موقع "صوت الكثبان" بنسخة منه، أن جثة محسن فكري (31 عاما) الذي لقي مصرعه ليلة الجمعة، 28 أكتوبر/ تشرين الأول2016 : "قد توفي نتيجة نزيف داخلي لجسده بسبب جروح داخلية نتيجة كسر في القفص الصدري، تسبب له في الاختناق"، كما تعرض لخمسة كسور على مستوى العضلات، وفي قفصه الصدري مع جرح قرب الإبط الأيسر".
حادثة "بائع السمك" لم تمر مرور الكرام، بل وحدت المواطنين المغاربة بجميع أطيافهم (أمازيغ ويساريين وإسلاميين)، وبمختلف المدن (الحسيمة، والرباط، والدار البيضاء، ومكناس، وفاس، والرشيدية، وغيرها من المناطق). الذين خرجوا مرددين شعارات تندد بالطريقة الوحشية التي مات بها الشاب المغربي محملين المسؤولية "للمخزن"، كما طالبوا العدالة بتفتح تحقيق عميق لمعاقبة المسؤولين حول الحادثة المأساوية.
وهو المطلب الذي استجاب له العاهل المغربي الملك محمد السادس، بعدما أصدر تعليماته لوزير الداخلية للتوجه يومه الأحد 30 أكتوبر 2016 لمدينة الحسيمة لتقديم تعازي ومواساة جلالته إلى عائلة المرحوم، وفقا لبلاغ وزارة الداخلية.
وأبلغ وزير الداخلية، محمد حصاد عائلة الفقيد "التعليمات الملكية السامية لإجراء بحث دقيق ومعمق ومتابعة كل من ثبتت مسؤوليته في هذا الحادث مع التطبيق الصارم للقانون في حق الجميع، ليكونوا عبرة لكل من يخل أو يقصر خلال القيام بمهامه ومسؤولياته".
شرارة الغضب الشعبي، بدأت من الفضاء الافتراضي، حيث كانت صور محسن فكري الذي رأى النور بمدينة إمزورن قرب الحسيمة، قد انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي منذ ليلة وفاته كانتشار النار في الهشيم، إذ تناقل رواد الفايسبوك صور جثته على نطاق واسع، أقرنوها بهاشتاغ تحت وسم #طحن_مُّو، إلى جانب بتغريدات على التويتر تندد بمقتل ما أسموه بـ"شهيد السمك". مما أجج غضب المواطنين بمختلف ربوع المغرب للاستجابة للنزول إلى الشارع للتظاهر ضد الحادث المأساوي.
وفي تعليقه حول هذه الحادثة المأساوية، قال فيصل أوسار، ممثل فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن السلطات الأمنية أجبرت محسن فكري على التخلص من صناديق سمك "أبو سيف" غير المرخص بيعه خلال هذه الفترة من السنة من ميناء الحسيمة (حسب ما تقول السلطات)، موضحا أن البضاعة كانت باهظة الثمن، ما دفع الشاب إلى رمي نفسه لاستعادة بضاعته لكنه سحق تحت آلة ضغط النتفايات".
وبدوره، قال عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية في الخارج: "بقلب يعتصره الألم والحزن على شهيدنا محسن فكري، الذي توفي بطريقة بشعة، أتقدم إلى أسرته الصغيرة والكبيرة بأصدق التعازي، وعزاؤنا فيه واحد. تقبله الله بقبول حسن، وتغمده بواسع رحمته، وإنا لله وإنا إليه راجعون. ورزق ذويه الصبر والسلوان".
وأضاف في تدوينة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك"، "هذا الحادث البشع والأليم يدفعنا إلى طرح سؤال جوهري على أنفسنا كمغاربة، هل سنسمح بتكرار هذا النوع من الأحداث الذي يكون ضحيته المواطن الذي بلورنا، في إطار توافقي، من أجله في 2011 دستورا متقدما يضم 21 بندا في مادة حقوق الانسان؟".
ومن أجل تفادي ما وقع، اعتبر بوصوف، أنه "يجب أن تكون العلاقة بين السلطات العمومية والمواطن مؤطرة بهذه البنود والاحتكام إليها. كما يجب أن نجعل من البطالة عدونا رقم واحد من أجل الوصول إلى ضمان العيش الكريم لكل مواطن، مع ضمان القدر الأوسع من تساوي الفرص بين كل المغاربة"، يورد المتحدث.
وأكد المسؤول المغربي، "أن اللحظة التاريخية تفرض الوقوف على حقيقة ما وقع، وكل الحقيقة، ومعاقبة كل من تورط وثبتت مسؤوليته في هذا الأمر، مع مطالبة السياسيين بتوحيد الجهود، وإيجاد كل السبل الممكنة للقضاء على البطالة، وأن يتم جعل ذلك معركة الجميع".
ودعا الأمين العام لمجلس الجالية المغربية في الخارج، إلى "جعل خطابات الملك محمد السادس ميثاقا بين المغاربة من أجل خلق الثروة المادية واللامادية، ومحاربة كل الاختلالات الإدارية التي تودي إلى ما لا تحمد عقباه، والقضاء على الزبونية والمحسوبية، وجعل مصلحة المواطن، داخل المغرب وخارجه، أساس وجوهر كل عمل وسياسة عمومية، ثم الاعتماد على الدستور والقانون الفيصل بين الكل، ولا أحد يعلو فوقهما".
من جانبها، قالت الصحافية إلهام الطالبي، "لقد حان الوقت لاحترام الإنسان، وطيّ صفحة العقلية المخزنية السلطوية، ومحاسبة المتواطئين في تجريد الإنسان من كرامته"، معتبرة أن بائع السمك المتوفى "ليس ثورياً ولا يسارياً ولا سلفياً ولا جهادياً ولا ينتمي إلى حزب معين، وإنما هو مواطن مغربي ينتمي إلى حزب "الخبز"، الحزب الذي يشكل شريحة مهمة من المغاربة، شريحة لا تكترث للأيديولوجيا، لا تغريها السياسة ولا تتابع الأخبار، وتقتصر علاقتهم بالإعلام على المسلسلات وحالة الطقس لمعرفة طبيعة الجو".