جريمة هذا الشاب مقال رأي بعنوان "الدين و التدين و المْعَلْمين"، يناقش فيه الكاتب مفهومين مختلفين داخل الحقل الديني إحتجاجا منه على الميز الذي تعانيه فئة اجتماعية تسمى "لمعلمين"، وهي تسمية تطلق على طبقة الحدادين في الصحراء، مستندا في نقده لهذا السلوك العنصري على نصوص من التراث الإسلامي اعتمادا على مرجع خاص للدكتور عبد المجيد النجار في التمييز بين مفهومين في الحقل الديني هما "الدين"، كشرع إلاهي ثم "التدين"، ككسب إنساني.
نشرت قصة محاكمة محمد الشيخ على صفحات كبرى الجرائد المحلية و الدولية، بلغات مختلفة، و وقعت لأجله عرائض التضامن و خصصت له صفحات المساندة على الشبكات الاجتماعية قبل أن تتكلف الأيام بطي ملفه و وضعه في دولاب النسيان.
مجاملة الخارج و الداخل
حكمت المحكمة بنواذيبو على ولد امخيطير بالإعدام وذلك أواخر شهر دجنبر 2014 وسرعان ما قرّر ولد امخيطير الاستئناف. يقول الكاتب الموريتاني عباس ولد ابراهام، المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية و المتخصص في دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "مسطرة الاستئناف تتأخر لعدة أسباب يبدو أنّها متعلِّقة بعدم رغبة السلطة في حسم موضوعه، فهي من ناحية تخاف المجتمع الدولي إذا أعدمته وتخاف الشارع الأصولي القوي، الذي يُريد إعدامه". الشارع الاصولي، كما يصفه الباحث، نجح في تخويف محاميه الذي استقال، وبالتالي يبقى ولد امخيطير بلا محام. السلطة، التي تستحسن السكوت عن ملفه، أشعرت بعض السفارات الغربية أنها تسجنه خوفاً على حياته من الغوغاء.
هذه المجاملة المتأرجحة بين حبال الخارج و الداخل ظهرت إثر احتاج قاسم الغزالي، الناشط الحقوقي المغربي و الملاحظ لدى الأمم المتحدة، على قوانين الردة الإسلامية دفاعا عن محمد الشيخ و الكاتب السعودي رائف بدوي، بمناسبة انعقاد مجلس حقوق الإنسان شهر مارس 2014، رد السفير الموريتاني داخل هيئة الأمم المتحدة، على الاحتجاج، قائلا "أن المواطن الموريتاني محمد الشيخ ولد امخيطير قد تم اعتقاله من أجل حمايته" وقد جاء تعقيب السفير الموريتاني متنافيا مع ما أوردته وكالات الأنباء الموريتانية، عن إدانة ولد امخيطير بالإعدام بعد إتهامه بالردة على إثر مقاله الذي كتبه على صفحته في موقع "فايسبوك" وأعادت مواقع أخرى نشره.
الجديد حسب الباحث عباس ولد أبرهام هو "ظهور أصواتٍ متزايدة من موريتانيي الخارج المتعاطفين. أحدهم مقيم بالولايات المتحدة، يُدعى محمد ولد عبد العزيز، وقد أثار الجدل والنقمة عندما نشر تدوينة تداول الأعلام والشارع الموريتاني أنباءها متضامناً مع ولد امخيطير، وسرعان ما تبرأ أهله منه". أما المتضامن الثاني فهو مقيم بفرنسا، يُدعى العيد ولد محمد، وكان داعية من حركة "الدعوة والتبليغ" سابقاً ثم انقلب على تعاليمها، و الذي نشر بدوره تضامناً على الفايسبوك.
عقوبة على مقاس القبيلة
كلما علا شأن القبيلة كلما نزلت العقوبات بردا و سلاما على أصحابها و كلما كانت القبيلة أو الانتماء الاجتماعي هامشيا، حسب العرف في مريتانيا، قست الأحكام و قاسى أصحابها الويلات بإسم القانون. هذا ما تظهره حالة التسامح مع تصريحات ولد عبد العزيز، يردف ولد أبرهام، و التي تبين البعد الفئوي في قضية الشاب المحكوم بالإعدام. فولد امخيطير، يقول الباحث، هو من شريحة "لمعلمين" ذات الأصول الحرفية في مجتمع تقليدي، والتي تشكو من الضيم والاحتقار والتهميش. "وقد ذكر كثير من الناشطين أن الحكم بإعدام ولد امخيطير يأتي في إطار استضعاف شريحته" أما إلحاد ولد عبد العزيز، وهو من شريحة الزوايا الواصِلة ز ذات الحظوة الاجتماعية، فقد تجاهلته الدوائر القضائية والرأي العام، بما فيه حركة "أحباب الرسول" وشباب حزب "تواصل" الإسلامي الذين قادوا حملات "مصحفية" للضرب على "الإلحاد"، يضيف الباحث.
بالنسبة للناشط الحقوقي الموريتاني سيد أحمد الطفيل، المقيم بنيويورك، فالمسألة "لا تتعدى أن ولد مخيطير كبش فداء تقرب به النظام لكسب ولاء الحركات الأصولية و الغوغاء من الجمهور الموريتاني المنجرف وراء كل موجة دينية تداعب مشاعره المرهفة ". ولد مخيطير، حسب الناشط دائما، لا بواكي و لا حامي له في تلك البلاد التي تخنقها العلاقات القبلية و التحالفات العشائرية. الطفيل يضيف "كثيرون أقدموا قبل هذا الشاب علي ما يفسر بأنه استهزاء بالدين و إهانة للمقدسات ولم يتعرض لهم أحد بسوء فقط لآنهم من أبناء الطبقات السيادية في البلاد". ولد مخيطير ضحية غياب العدالة في موريتانيا، يختم الناشط الحقوقي تصريحه.
رغم هذا عبّر نشطاء على صفحاتهم عن رفضهم حكم الإعدام بحقه. وعبّر نائبان برلمانيان (أحدهما نائب سابق) عن رفضهما للإعدام الذي نطق به قاضي نواذيبو، أحدهما السفير السابق محمد المختار ولد الزامل، أما الآخر فهو المصطفى ولد اعبيد الرحمان. سياسياً رفضت بعض الأحزاب التعليق، بينما علّقت أخرى مُرحِّبة. زعيم الحزب الإسلامي، جميل منصور، اعتبر أن ولد امخيطير مجرم يستحق الحكم، رغم إدانته لاحقاً لحادثة "شارلي أبدو". أما أحمد ولد داداه، زعيم حزب التكتل، وهو حزب اشتراكي ديمقراطي وعضو في الأممية الاشتراكية، فقد قال أنه لا يعلِّقُ عادة على حكم المحكمة راجياً أن تكون المحكمة قد حكمت بما يوافق "الكتاب والسنة".
هكذا إذن يبقى محمد الشيخ ولد مخيطير سجين زنزانته في صحراء موريتنانيا، في انتظار تحريك مسطرة الاستئناف و تقدير السلطات لموازين القوى التي قد تميل كفتها لمجاملة تيار داخلي محافظ كما قد تميل لتلميع الصورة في الخارج من خلال العفو أو تخفيف العقوبة. لكن الاكيد أن نضال ولد مخيطير ضد الميز العنصري، من خلال مقاله، كان طريقا مختصرا عبَّدَ الطريق نحو عقوبة لا إنسانية تسمى الاعدام.