كرر "رشيد" عبارته أكثر من مرة في توتر واضح و خوف باديين على صوته، بمجرد أن كشفنا عن هويتنا الصحفية، حيث انتقل فريق صوت الكثبان إلى مدينة "اولاد تايمة" إقليم تارودانت، مسرح الحدث، للبحث عن الحقيقة كاملة... استوعبنا حالة التوتر المتزايدة بصوته بعد أن علمنا أن مكالمتنا الهاتفية معه، أتت بعد دقائق قليلة من زيارة وفد مكون من أفراد من الشرطة، و مسؤول من المديرية الإقليمية للتعليم،... حاولنا تهدئته لإقناعه بالبوح لنا، و ظل يردد أن ما حدث أمر بسيط لا يستدعي أن يفضح به اسمه كاملا، و يكون موضوع حديث الكل في مدينة صغيرة كأولاد تايمة.. اكتفى أن نحدثه باسمه الأول ... "رشيد".. كان حديثه مرتبكا حين قال:
" أنا لا علاقة لي بالأمر، كل ما حدث هو صراعات داخلية بين إحدى المعلمات و مدير مدرسة رابعة العدوية التي نشتغل داخل فصل خُصص لنا بها... المعلمة هي التي التقطت الفيديو لتضغط على مدير المؤسسة، فالتقطت الشريط لترغمنا على الاصطفاف معها ضد المدير وهو ما رفضناه كجمعية... "
و يتابع :" لم أضرب أختي التي تبلغ من العمر 25 سنة، حاولت تخويفها فقط لتدخل الفصل.. اتصلوا بي ليخبروني أنها رفضت الاستجابة لهم منذ ساعة.. كانت الأمطار تطرق أبواب السماء و كان لابد من إدخالها.. كنت مستاء حين وصلت ووجدتها هناك، حاولت معها كثيرا لإدخالها، حاولت حملها فكانت تسقط، أردت أن أخيفها برجلي، فاستقبلت الضربة دون قصد مني .. هي أختي.. لقد أسست الجمعية تعاطفا مع حالتها، أنا من بنى الجمعية ، لم يسعى أحد يوما لمساعدتي أو مشاركتي همها،.. و لدي دليل براءتي، فجسدها لا يحمل آثار ضرب أو جروح..."
حين وصلنا إلى المدينة، تطوع العديد من الفاعلين لمساعدتنا و مدنا بالمعلومات.. أخبرونا أن اعتداءه بالضرب على أطفال الجمعية ليس بالأمر الجديد... طرحنا السؤال عليه فقال: " لا .. لا أبدا، هذا الخبر غير صحيح"
ضرورة خلخلة بعض المعايير الاجتماعية و تحيينها
و للوقوف أكثر على الوضع الراهن بالمدينة و الحماية المقدمة للأطفال عموما، قابلنا السيد عبد الله السوسي رئيس مؤسسة أمان لحماية الطفولة ، الذي عبر عن الرفض القاطع و التام للعنف ضد الطفل، و أكد أن رد الفعل الصحيح على الفيديو المنتشر هو التعبئة المجتمعية من أجل خلخلة بعض المعايير الاجتماعية و تحيينها، و كذلك تقوية و تقويم قدرات الفاعلين في هذا المجال، إذ لابد لكل متدخل كيفما كان موقعه، أن يحظى بتكوين متخصص يمكنه من تحقيق الهدف المراد بشكل احترافي من الاشتغال في ميادين حساسة و ذات خصوصية كمجال الطفولة و الحماية.
و يضيف السيد عبد الله، أن السبيل الأصح لحماية الأطفال في وضعية هشة هو الإسراع بتنزيل الأجهزة الترابية لحماية الطفولة بعدما تمت المصادقة على السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة في ماي 2015، والتي ستُمكن من تنظيم مجال التدخلات، لتحديد الواجبات المرادة من كافة المتدخلين، و كذا التكامل على مستوى الخدمات المقدمة، لكن في انتظار مصادقة الحكومة التي لم تتشكل بعد، يبقى عرض البرنامج التنفيذي للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة للجنة الوزارية المكلفة بتتبع تنفيذ السياسات و المخططات الوطنية في مجال النهوض بأوضاع الطفولة و حمايتها مجمدا !
يشار إلى أن المديرية الإقليمية لوزارة التربية و التكوين المهني بتارودانت، كانت سريعة التفاعل مع هذا الحدث، حيث أصدرت بلاغا بعد زيارة الجمعية و لقاء رئيسها، أعلنت فيه أنها تشجب هذا العمل الذي لا يمت بصلة إلى أسس التربية و تؤكد أنها سوف تتعامل بصرامة مع مثل هذه التصرفات اللاتربوية، و ستعمل على تعميق البحث و التقصي في هذه الواقعة في حق كل من ساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في هذا العمل الشنيع، حسب وصف البلاغ.
إن تعرض الفتاة الظاهرة بالفيديو لحالة الهيجان و التمرد الذي استعصى على المربيات التعامل معه، مما اضرهن لاستدعاء أخيها رئيس الجمعية، يطرح أكثر من سؤال حول مدى أهلية رؤساء الجمعيات و الفاعلين في الميادين الحساسة، على الاضطلاع بالدور المنوط بهم...
أسئلة و غيرها تظل مطروحة في أفق مستقبل لا يبدو من خلاله غيومه، إلا ضحايا أخرون كالفتاة الظاهرة بالفيديو.. و مهما كان الدافع لدى أخيها من وراء تأسيس الجمعية، إلا أن الأكيد و الجدير بالإشارة هو عدم تمكنه و لا أهليته لرعاية هذه الشريحة من المجتمع .. السيد "رشيد" عبر عن رفضه التام الظهور في شريط فيديو بموقعنا يوضح به موقفه و تبريره لما حصل.. و اكتفى بالمكالمة الهاتفية التي ظل طيلة أشواطها يسألنا... " هذا ليس بشيء هام أليس كذلك؟ هو مجرد أمر بسيط عابر.. أليس كذلك؟..."