في حديقة المركز الذي يوجد في إحدى أزقة حي الرياض الراقي بالعاصمة الرباط، كان شاب يجلس القرفصاء بين أشجار الليمون والصنوبر التي تحيط بالمكان، يحمل في يديه عدة أوراق، يقلبها بين الفينة والأخرى، ويردد نفس الجملة عدة مرات قبل أن ينتقل إلى أخرى بلغة عربية فصيحة تتخللها لكنة أعجمية. في الباب الداخلي للمقر، يخرج رجل أسمر البشرة، طويل القامة، يضع على رأسه قبعة حمراء كتلك التي ورثها المسلمون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن العثمانيين، يخطو بخطوات متثاقلة، يمسك في يده اليمنى سبحة، يردد تراتيل وأدعية بصوت يكاد لا يسمع، يلقي التحية على زميله وهو يهم للذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، "قبل قدومي إلى المغرب كنت أعتبر نفسي عالما، لكنني اليوم اكتشفت عدة أمور في الدين كنت أجهلها"، يقول إدريس تراوري، إمام في أحد المساجد بالعاصمة المالية باماكو.
يشير تراوري إلى أهمية وخطورة الإمامة في المجتمع الإسلامي فيقول: "تتجلى هذه الخطورة في كون الإمام هو الموجه لفئة كبيرة من المجتمع، وبالتالي فإذا كان هذا الشخص لا يعرف حقيقة الإسلام، وينشر أفكارا متطرفة لا تمت للدين بأية صلة، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع عدد المتشددين والإرهابيين".
إدريس، الشاب المالي الذي يقول إنه تلقى تكوينه الديني بطريقة تقليدية "لا تساير تطور عصر التكنولوجيا وشبكة الانترنت"، أشاد بمبادرة تكوين الأئمة الماليين التي اقترحها رئيس بلاده على ملك المغرب، نظرا لوعيه الكبير بدور الإمام والواعظ في نقل الدين الإسلامي الحق للمواطنين"، يصرح تراوري المعجب بطريقة تدين المغاربة المبنية "على الوسطية والاعتدال وعدم الإكراه".
محمد عيسى كوليبالي، الذي يشغل في بلاده مهمة مندوب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تذكر كيف اكتوت مالي بنار الإرهاب خلال السنوات الأخيرة الماضية، وكيف كانت بين مطرقة الجماعات المتشددة، وسندان التدخل العسكري لعدة دول أجنبية "لقد ساهم العديد من الفقهاء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في بروز التطرف الديني في منطقة الساحل والصحراء، خاصة بدولة مالي، لكن بعض الدول الأجنبية ظنت أنها ستحارب التطرف الذي يهدد الأمن والسلم العالمي بالسلاح، لكن الواقع أثبت العكس"، يصرح كوليبالي الذي أشاد بالدور المغربي في تثبيت الأمن في بلاده "ليس عن طريق محاربة الإرهابيين وقتلهم، لكن من خلال اجتثاث الفكر الإرهابي لأنه الأخطر"، وذلك من خلال إعادة تكوين الأئمة وتعليمهم أسس الدين الإسلامي المبني على الوسطية والاعتدال، خاصة إذا علمنا -يشدد ذات المتحدث- "أن الإمام يعتبر أيقونة يحذو الناس حذوه".
وفي هذا السياق، يقول عبد السلام الأزعر، مدير مركز تكوين الأئمة الماليين بالرباط، إن هذا البرنامج الذي يمتد على سنتين لكل فوج، يهدف إلى "تأهيل أئمة وفقهاء قادرين على القيام بالإمامة العادية، وعارفين بأمور الدين معرفة حسنة وفق المنهاج السليم، وأن يبينوا للناس الدين الصحيح، ليتمكنوا من تبليغ الرسالة كما فهموها"، مؤكدا أن "الإمامة لا تتعدى هذا الدور لتصل إلى أمور قد تخلق التفرقة في المجتمع".
وأردف في هذا الصدد، أن البرنامج الذي يضم، بالإضافة إلى مواد الشريعة الإسلامية، مادة الإعلاميات واللغة الفرنسية وغيرها من المواد "التي ستسهم في الرفع من مستوى التعليم عند الطالب"، يهدف إلى "سد الأبواب أمام المتطفلين على الدين عبر الحوار حتى مع الذين يحملون أفكارا مخالفة لهم"، على حد قوله.
أما لحسن السكنفل، أستاذ مادة الخطابة والوعظ بالمؤسسة التي سيتحول اسمها، في غضون أشهر قليلة، إلى مركز محمد السادس لتكوين المرشدين والمرشدات، والذي سيستقبل، قريبا، أفواجا جديدة من دول مختلفة من بينها تونس، وليبيا، والكوت ديفوار، والغابون، وفرنسا... فقد أشار (السكنفل) في تصريح للجريدة إلى أن الدور الذي تلعبه الخطابة والإمامة هو تكوين المواطنين في شؤون دينهم، في إطار من الحكمة والموعظة الحسنة، وبعيدا عن التطرف والتشدد. واعتبر أن التكوين يشمل أيضا "التحسيس بضرورة عدم استغلال المنبر بشكل مخالف لثوابت الأمة والوطن، أو توظيفه لأغراض سياسية".
من جهته، يرى سعد الركراكي، أستاذ القانون الدولي والمتخصص في العلاقات الدولية أن هذه العملية التي وصفها بـ"الإيجابية" هي جزء من برنامج يصبو إلى خلق نوع من التناغم بين الأئمة في العالم الإسلامي عموما، وفي شمال إفريقيا على وجه الخصوص، مشيرا إلى أن "هذا البرنامج ليست له أهداف دينية محضة، بل له خلفيات ودلالات سياسية"؛ فاللأسف الشديد، يضيف الركراكي، "هناك فرق وحركات إسلامية مختلفة، بل متناحرة في بعض الأحيان، تسيء إلى صورة الإسلام، معتبرا أن هذه العملية ترمي إلى "اتخاذ موقف موحد من الرؤية الإسلامية التي يجب تبليغها للشعوب الإسلامية عامة، وفي منطقة الساحل والصحراء خاصة".
ويتساءل أستاذ العلاقات الدولية في هذا الخصوص عن جدوى هذه العملية بالقول: "هل جاءت من أجل ملء فراغ تستغله حركات سياسية متطرفة تدّعي الإسلام؟ أو هي إستراتيجية لنشر رؤية دينية متوسطة لمحاربة هذه الحركات في المنطقة؟ أو هي انعكاس لصراع دول المنطقة التي تحاول بسط نفوذها في منطقة الساحل والصحراء؟