هنا " سي محمد" شيخ ينحدر من الحاجب شمال المغرب، يتولى جمع النقود من المتفرجين وهم يشاهدون عرضا راقصا و مبتذلا لشابين يرتديان ملابس نسائية خاصة برقص " الشيخات" ( راقصات تقليديات)، يغطون وجوههم ببراقع سوداء و يحرصون على لـيِّ ألسنتهم بالدعاء لمن يسخو لهم بدرهم أو درهمين في محاولة لتقليد النساء، وهناك غير بعيد فرقة موسيقية يقف بوسطها شخص، يعلق على صدره قيثارا مرسوم عليه رمز " الأمازيغ"، يتحلق حوله العديد من الزوار يستمتعون بأغانيه القادمة من أعماق الأطلس الكبير.
لم يمنع البرد القارس و لا حرارة الصيف سكان "ساحة الفنا" من تعميرها يوميا، و "خديجة الشوافة" (العرافة) العجوز خير مثال على ذلك، رغم قلة صحتها ونحافتها تحضر هي و ورقها كل يوم من الصباح الباكر إلى منتصف الليل، تجلس على كرسي و تضع الورق على كرسي آخر، تتلثم بلثام أسود وتلف جسمها النحيف بملابس بالية لتقيها البرد القارس، عجوز عاثرة الحظ، طردها الفقر والعوز من بلدتها الصغيرة " صخور الرحامنة" الواقعة بنواحي مراكش لتحترف قراءة الحظ لعابري مكانها مقابل عشر دراهم وتتوسلهم ضمنيا أن يرفعوا الثمن قليلا رحمة بكبر سنها و عوزها. و لعل احتراف قراءة الحظ لم تحتكره النساء فقط، " الحسين" رجل في منتصف العمر يرحل كل 15 يوم إلى مراكش من مدينة " أكادير" التي تبعد حوالي 200 كلم، يكدس معادن نقدية كثيرة أمامه، ويقوم بصهرها وصناعة تميمة نحاسية منها، يدعي للمارة أنها تقي العين والحسد بعد أن يقرأ عليها كلمات وتعابير خاصة به، تضمن دوام المفعول و حصانة المتبرك بمبيعاته.
الأستاذ الجامعي والمتخصص الإجتماعي الدكتور "حسن مجدي"، يرى أن الفقر والحاجة هما المولدان الأساسيان لظاهرة "ساحة الفنا"، فالمسؤولون اليوم بين نارين، القضاء على مظاهر الدجل والسحر و الابتذال بالساحة و صب الاهتمام على المناطق الفقيرة و المهمشة وساكنتها للحد من نزوحهم للساحة واحتراف الخداع و نصب الفخاخ للسياح، ثم اعتماد مظاهر أخرى حضارية بالساحة والتي باتت تظهر بعض تجلياتها كالموسيقيين الذين يمتعون المارة بأنغام حديثة، أو تقليدية في قالب حديث، قد يفقد الساحة طابعها الإستثنائي و تفردها مما سيضر بالجانب السياحي للمدينة و سيفقدها بريقها الجاذب لزوار من أقطار العالم، يبهرهم طابعها الغرائبي، و مظاهر الفرجة المسرحية القديمة بها.
إن المتأمل لحال سكان " ساحة الفنا" يدرك عوز حالهم، و فقرهم المدقع الذي أباح لهم ممارسة كل الحرف و الخدع و أحيانا حتى النصب والاحتيال لكي يقنعوا زوار الساحة للتوقف عندهم ورمي بعض الدراهم على أكفهم الممدودة أحيانا باستعطاف واستحياء وأحيانا أخرى بلهفة تصل إلى مضايقة الزائر الذي يلوذ بالفرار.
حال ساكنة الساحة .. تلخصه امرأة تقبع متقوقعة على نفسها، على كرسي بئيس، تخفي كل جسمها و وجهها بكل ما أوتيت من قوة، لتمنع المارة من لمحها، تمد بيدها صحنا بلاستيكيا صغيرا، مستعطفا كصاحبته الصامتة، جيوبا يهزها صراخ الحواة و الحكواتيين وخصور النساء- الرجال الراقصين !