أَخْريب، تَرَحّالْت، ادْوانْزيْض، أَسِيفْ نْدَبْكَة، هي دواوير تابعة لجماعة تَنْكَرْفَا Tangarfa، تبعد بحوالي 31كيلومتر عن مدينة سيدي إفني شرقا، وعن مدينة الرباط عاصمة المغرب بقرابة 700كلم نحو الجنوب؛ من هنا خرج مجموعة من السكان حاملين اللافتات والأعلام المغربية وصورا لـمَلِك البلاد، للتعبير بشكل حضاري عن رفضهم للمشروع الذي تقدّمت به إحدى الشركات لإقامة مقلع للرمال؛ فنظموا وقفة احتجاجية، قرب المكان الذي يُراد إقامة المشروع فيه. وكان من المفترض أن تتم هذه الوقفة تزامنا مع زيارة للَجنة تقنية إقليمية للموقع، قبل أن تَرِد أنباء عن تأجيل الزيارة فانفضّت الوقفة إلى إشعار آخر.
ابراهيم أنزيد، أحد مثقفي المنطقة الذين يؤطرون الاحتجاج، يقول: "لا ندري كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يسيروا عكس السياسة العامة للحكومة التي تذهب في اتجاه القضاء على التلوث كيفما كان نوعه"
المحتجون أرادوا تحسيس الرأي العام بخطورة هذا النوع من المشاريع القريبة من الساكنة وأضراره البيئية المتمثلة في المس بالأتربة وتصاعد الغبار، والتغيير التضاريسي لبقعة هي المسلك الطبيعي لممتهني تربية الماشية، إضافة إلى محاذاة موقع المشروع لامتداد طبيعي لغابة شجرة الأركان الشهيرة. فضلا عن الرمزية التاريخية للمنطقة باعتبارها شهدت مقاومة أجدادهم للاستعمار.
كما سلّط المحتجون الضوء على مقبرتهم الوحيدة في المنطقة والملامسة هي الأخرى لموقع المشروع، معتبرين أن ذلك سيشكل معاناة حقيقية للساكنة عند دفن موتاهم. وقد تزامن هذا مع تأسيس شباب الدواوير المذكورة لجمعية جعلت أولى أهدافها تهييئ المقبرة بسور يحفظ كرامة الموتى.
والساكنة الآن تتابع هذا الموضوع باهتمام بالغ، عن طريق ربط اتصالات بالمسؤولين لتحسيسهم بخطورة الترخيص لمثل هذه المشاريع في هذه البقعة بالذات، علما أن مجموعة منهم رفعوا شكاية في الموضوع (توصلنا بنسخة منها)، موقعة من طرف 27شخصا، إلى السلطات المعنية وفي مقدمتهم وزير الداخلية.
جدير بالذكر أن الاستغلال المفرط لمقالع الرمال شكل خلال السنوات الأخيرة مشكلا حقيقيا بالمغرب على الصعيد الوطني، بالنظر إلى التجاذبات السياسية التي عرفها هذا القطاع سواء بسبب مسؤوليته عن عدد من المشاكل البيئية أو بسبب الاتهامات الموَجَّهة لعدد من المستفيدين من اقتصاد الرِّيــــع.
وقد ظل استغلال المقالع خاضعا لظهير 19يونيو1914 الصادر زمن خضوع المغرب للحماية الأجنبية، بالرغم من أن المشرع بذل جهدا لتعديله بالقانون رقم 01-08 المتعلق باستغلال المقالع سنة 2002، إلا أن هذا الأخير لم يجد طريقه للتطبيق بسبب عدم إصدار النصوص التنظيمية المتعلقة به، ولسد هذا الفراغ التشريعي أصدر الوزير الأول منشورا في سنة 2010، نص على مجموعة من الإجراءات الانتقالية، في انتظار صدور نص قانوني جديد، وهو الأمر الذي تحقق بصدور القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع بتاريخ 02يوليوز2015.
وفي حوار هاتفي أجريناه مع المتخصّص في قضايا البيئة، أشار الأستاذ محمد بنجلون إلى بعض الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية المرتبطة باستغلال المقالع، وفي ذلك يقول: "هناك العديد من المخاطر المحتملة في حالة عدم احترام شروط السلامة، حيث سيكون للمقلع تأثيرات سلبية على البيئة بوَحيشها وطيورها ونباتها وفرشتها المائية وكذا التشقّقات التي تحدث في الأرض نتيجة قوة التفجيرات إضافة إلى تأثير المقلع على الصحة (الرّبْوُ وأمراض الرّئة)"؛ وباستحضاره للإطار القانوني المنظم للمقالع نَبّه المتحدث إلى أنه "قبل إنشاء المقلع يجب إنجاز بحث عمومي، ملخص باللغة العربية حول دراسة المقلع، لمعرفة إن كان له تأثير على الساكنة وعلى الفرشة المائية والأشجار والهواء أم لا"، مضيفا أنه "يتوجب على السلطة العمومية أن تقوم بنشر هذا البحث حتى يتسنى للساكنة قراءته بهدف الموافقة عليه".
وأضاف الخبير أن "الترخيص باستغلال مقلع الحجارة يُفترض أن يقام على مساحة تبعد عن الساكنة ب3000م إلى 4000م تقريبا، إضافة إلى وضع علامات التشوير على بعد ²7km إلى ²km8 من المقلع. أما أثناء الاستغلال فيجب توفير وسائل ومعدات مانعة من تسرب الغبار خلال مرحلة الطحن والغربلة وألا تتجاوز سرعة آلة الشحن /h²km20، كما يمنع مرورها وسط الساكنة التي يجب أن تستفيد اجتماعيا واقتصاديا عن طريق تشغيلها داخل المقلع في حالة الترخيص له، وفي نفس الإطار تقوم الجماعة القروية باستخلاص إتاوة نقدية مقابل استغلال المتر المربع".
وحول موقف المجتمع المدني الحقوقي من مقالع الرمال ومدى انتهاكها للحق في البيئة السليمة، ودور القانون الجديد في التصدي لتجاوزات مستغلي المقالع، ربطنا الاتصال بالسيد عبد الإله الخضري رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان بالعاصمة الرباط، ليؤكد على أن مقالع الرمال هي "أحد أهم الأسباب المباشرة في تلوث البيئة بالمغرب، خاصة في المناطق القروية والنائية"، مشيرا إلى أنه كثيرا ما تَرِد على منظمتهم المدنية "تظلمات من مواطنين يعانون تدمير بيئتهم من قبل مستغلي المقالع، التي تبدو الكثير منها عشوائية لا تخضع للمراقبة ولا لقانون واضح، لدرجة باتت المقالع سببا في ظهور الكثير من الأمراض في صفوف المواطنين يستعصي علاجها أحيانا (حالة مقالع برا سالما بإقليم الدريوش)، بسبب التسمم الذي تتعرض له المياه الجوفية وانهيار التربة، نتيجة عمليات الحفر والاستخراج، التي تستعمل فيها الكثير من الآليات والمواد المتفجرة ومواد كيماوية، تشكل خطرا على صحة الإنسان وعلى البيئة بصفة عامة".
ولتأكيد ذلك قدّم المتحدث نفسه أمثلة عن بعض المقالع التي تعرف تجاوزات لمستغلي المقالع بالمغرب، منها مقالع عشوائية غير مرخصة ومنها مقالع مرخصة لكنها تشهد تلاعبات وتحايل على القانون، "كالمقالع التي يدّعي أصحابها أنها مقالع للرمال في حين أنها مقالع للغرانيت أو مواد أخرى باهضة الثمن (حالة مقلع بجماعة الجعافرة بـ'بَنْ جْريِرْBnrgrir')، معتبرا أن هذه المقالع تذر على أصحابها أموالا بالمليارات سنويا، في حين لا تؤدي الضرائب المفروض أداءها"، معتبرا هذا الوضع "انتهاكا صارخا للدستور المغربي الذي نص على حق المواطنين في بيئة سليمة (الفصل31 من الدستور)".
وحول رأي المركز المغربي لحقوق الإنسان، كمنظمة مدنية، في القانون الجديد رقم 27.13، والذي يسعى إلى تأطير أنشطة استغلال المقالع وفرض شروط الحكامة والمسؤولية في تدبير المقالع، واحترام البيئة، فقد أكد رئيس المركز، عبد الإله الخضري، أن القانون "لن يستطيع حل إشكالية الأضرار البيئية للمقالع ولا استغلالها العشوائي، فمسألة دراسة التأثير تبقى غير شفافة، بالنظر للتداخل التقني بحسابات بعض المسؤولين غير النزهاء، سواء داخل السلطات المعينة أو المنتخبة؛ وبالتالي تظل مخاوف السكان خارج اهتماماتهم، خاصة وأن تدبير ومراقبة قطاع المقالع لا زال بيد وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك، ومن الصعب تحقيق مردودية حقيقية إذا ما ظلت تحت وصايتها، كما أن إمكانية التلاعب في الأسعار والوعاء الضريبي، وفي الكميات المستخرجة محتمل جدا".
إن احترام "الحق في بيئة سليمة" يتجاوز البعد الوطني نحو البعد الدولي، ويُصنّف هذا الحق ضمن الجيل الجديد من الحقوق، حيث أكد "الخضري" أن أول مبادرة دولية اهتمّت بهذا الحق بدأت مع مؤتمر ستوكهولم سنة1972، والذي تمّ على إثره إحداث برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بالإضافة إلى تأسيس منظومة قانونية للحق في بيئة سليمة دوليّا وإقليميّا؛ وتعتبر اتفاقية لوغانو، الصادرة في يونيو1993، والتي تتعلق بالمسؤولية المدنية عن الأضرار الناتجة عن الأنشطة الضارة بالبيئة، (تعتبر) أهمَّ قيمة قانونية مضافة في هذا المجال.
وفي انتظار التنزيل السليم للقانون المغربي الجديد الخاص بالمقالع، يأمل "الخضري" أن تكون هناك عملية افتحاص دقيقة وواسعة النطاق، تساهم في ضبط نقط الضعف في تدبير المقالع، واستدراك النواقص المحتملة، من أجل اقتراح تعديلات ملائمة، تؤدي إلى بلوغ إطار قانوني أكثر فعالية يراعي شروط عيش المواطنين في بيئة سليمة، ويلبي حاجيات الاقتصاد الوطني من المواد الأولية اللازمة.
أمّا سكان دواوير جماعة "تانكارفا" المتضرّرون فلا زالوا يأملون في غد أفضل خال من أي مقلع يمكن أن يهدد بيئتهم أو يُغيَّر جغرافية محيطهم القريب أو يَمْحُوَ ذاكرة تاريخ مقاومة أجداهم للاستعمار.