تنتشر دور الصفيح بالدار البيضاء في أكثر من حي، ولم تستطع مشاريع "مدن بدون صفيح"، والتي وضعت العام 2012 كآخر أجل لـ"التخلص" من "آخر براكة" كما يسميها المغاربة، أن تنهي معاناة من يقطنون المدن ويعيشون بأنماط البادية، بدءا ببحثهم عن الماء الصالح للشرب عند السقايات العمومية، مرورا بالاستمرار في التزود بالكهرباء بوسائل بدائية، ووصولا إلى تقاسم ما يشبه المنازل مع الدواب والدواجن.
لماذا يرفض سكان هذه البنايات القديمة مشاريع إعادة إسكانهم؟ سؤال طرحه "أصوات الكثبان" على الشاب عادل (ش)، أحد القاطنين بالحي الصفيحي المقابل للسوق المشهور "درب غلف". يقول الشاب، إن الحلول التي تقدم لهم، تشمل إعادة إيوائهم خارج المدار الحضري للمدينة، وهو ما يعني بحسبه، قطع أرزاق عشرات العائلات، التي تعمل بأماكن بوسط المدينة، بل يعتمد جل الشباب هنا، يضيف عادل، على سوق "درب غلف" لكسب قوت يومهم، ويوفر لهم سكنهم القريب منه، ورغم ظروفه القاسية، فرصة الاستمرار في التواجد بالسوق.
ويربط عادل بين سكنهم بهذه المنطقة، وقدرتهم على التواجد بقوة داخل سوق "درب غلف"، في مواجهة منافسة آخرين يأتون من أحياء بعيدة عن السوق، خاصة الشباب الذين يمارسون حرفة السمسرة في بيع وشراء الأدوات الإلكترونية، وبيع المأكولات الخفيفة لزوار السوق. وشدد عادل على أن قوة تواجدهم داخل السوق تكمن في قربهم منه، ولا يمكنهم قبول حل آخر يبعدهم عن مصدر رزقهم بعشرات الكيلومترات على حد قوله.
قد تختلف الأحياء ومواقعها داخل مدينة الدار البيضاء، كما تختلف الطبقات الاجتماعية التي تقطنها، لكن المعاناة واحدة، سواء بحي "المعاريف" الراقي، أو حي "سيدي مومن" الذي شاء تقسيم المدينة أن يكون هامشيا، وكذلك الحال بالنسبة لحي "عين السبع" و"البرنوصي" و"الحي الحسني"، و"الحي المحمدي"، وأحياء أخرى، لا تزال فيها دور الصفيح "صامدة" تجاور البنايات الشاهقة.
"براريك إلى الأبد". هذا هو حال مجموعة من التجمعات السكنية "العشوائية" بعدد من أحياء الدار البيضاء. وتكمن مشاكل هذه المساكن، في تمسك قاطنيها بتعويض يوازي قيمة الأرض التي يمتلكون فوقها "براريكهم".
بين الجدران الإسمنتية لكل إقامة سكنية في حي "سيدي مومن" تجد تجمعات صفيحية تختبئ هناك، والبعض منها ظاهر للعيان كما هو الحال في الحزام العشوائي الممتد على طول شارع "الحسين السوسي" بسيدي مومن القديم.
13 تجمع صفيحي، و11 زقاق، وهي: (دوار عريب، دوار الوجدي، دوار عبد الله، دوار المنزه، دوار الدموح، دوار بنبمسكين، دوار داراعو، دوار السري، دوار اللبيرات، دوار بوعزة بنطيبي، دوار الهراويين، دوار البيجو، جردة الحاج هداج، وكذا الأزقة: 1، 2، 7، 12، 14، 16، 22، 23، 24، 25، 26، 31) أحياء صفيحية عجز أمامها مشروع "مدن بدون صفيح" الذي أطلقه المغرب قبل سنوات.
لماذا براريك إلى الأبد؟ لأنه وحسب وثائق حصل عليها "أصوات الكثبان"، مجموعة من ساكنة الدواوير الصفيحية بالمنطقة، هم ملاك لتلك الأراضي التي شيدوا فوقها منازلهم، ويملك العديد منهم عقود شرائها، وعن قانونية ملكيتهم لتلك الأراضي يؤكد عبد المالك زعزاع، محامي بهيئة الدار البيضاء، وأحد المطلعين عن قرب على ملف السكن بمنطقة "سيدي مومن"، أن من يملكون عقود شراء الأراضي من أصحابها الأصليين يتوفرون على رقم تسجيلها، ولهم الحق في الاحتفاظ بها، ولا يمكن نزعها منهم إلا عبر مسطرة "نزع الملكية" لغرض المصلحة العمومية، والتي لا يمكن مباشرتها إلا من طرف مؤسسات الدولة العمومية.
بدوره يقول عبدون لغليمي، أحد سكان التجمعات الصفيحية بحي "سيدي مومن"، إن الساكنة المالكة للأراضي رفضت مشاريع إعادة الإيواء، وفضلت شكل سكنها الحالي، بسبب المشاكل التي تراكمت على من اختاروا منهم الشقق "الاقتصادية والاجتماعية".
عبدون ونقلا عن مئات الأسر التي يمسك بملفاتها داخل لجنة الحكماء (لجنة مكلفة بملف إعادة إيواء سكان دور الصفيح)، صرح أن الكل اليوم أصبح يفضل الإفراغ من "البراكة"، على أن يتم إفراغه من شقة تحسب عليه أنه استفاد منها، مما جعل وضعية حل ملفات السكن أكثر تعقيدا، وزرعت -يضيف عبدون- مخاوف عدة في نفوس ساكنة "كاريانات" (التجمعات السكنية العشوائية) سيدي مومن، خاصة وأن العديد منهم يعجزون عن أداء أقساط قروض المصارف التي سهلت لهم عملية المساهمة في "الاستفادة" من تعويض السكن "العشوائي" بشقق سكنية.