المُطلع على جو التعايش والوئام الذي تعيشه المدينة الصغيرة، لن يصدق تنوعها الثقافي بشرائحها الاجتماعية القادمة من أصقاع مختلفة كالأمازيغ و أهل الصحراء ودكالة وعبدة و الشياظمة و هوارة والشاوية وقلة من شرق المغرب وشماله.
هذا النسيج الاجتماعي المتنوع العجيب والجميل منصهر فيما بينه متعايش في سلم وأمان على رقعة المدينة الصغيرة يفسره الأستاذ "عبد الحق أبو حفص" الزجال المعروف بالمنطقة و أحد المهتمين بتنوعها الثقافي، بأن الدين الإسلامي لعب دورا أساسيا في هذا الانصهار بالإضافة لفطرة التودد التي تطبع نفوس الأهالي، كما أن المصاهرات والزيجات وطدت هذه الأواصر وعمقتها .
كما يرى الأستاذ "أبوحفص" أن فقيه "الكتاتيب" القرآنية (المعلم) الذي يساوي بين طلبته، وعصاه التي تشمل كل متهاون كسول و"الفلقة" لكل من آتى ذنبا استحق به نصيبا منها وافيا غير منقوص ، ساهم بشكل كبير في إشاعة روح المساواة و الإخاء بين الأطفال قبل ولوج المدرسة النظامية، فكبروا وكبر معهم إلغاء الاثنيات والفرقة و تنشئة اللحمة البهية بين ساكنة المدينة .
كما أن قرب البحر من الساكنة، لعب دورا أساسيا ايضا في هذا التلاحم بين الأهالي، إذ كان مسرحا لمباريات في كرة القدم و السباحة الجماعية ...
يُطرق الزجال قليلا ثم يضيف بابتسامة: " من الصحراء جاءت خصال الكرم والتكافل، و من الامازيغ انبثقت البساطة في العيش مع الصرامة في مواجهة الحياة اليومية ، أما دكالة وعبدة والشاوية فكسبنا من أهلها التلقائية و البوح والتسامح مع الآخر... اجتمعت كل هذه القيم الجميلة و أعطتنا ابن وبنت "آنز"ا." ثم ينشد قصيدة زجلية في غرام المدينة:
مفتح الكلام عليك يا أنزا
نبداه بالصلاة على نبينا طه
بلاد العزة عطات حقها ف الشهادة
فسبيل فلسطين وغزة
وكانت روح كرينة رمز العزة
عرفت ف احضانك الوفا لباس
والصفا فوق راسك تاج
عل شطك الهادي يحلا من اتاي كاس
من اهلي اهل الصحرا
تعلمت الجود ومرحبا
اهلا وسهلا
مع الشلوح طابت المصاهرة
حياة زينة هانية بلا مكابرة
نحاني الزمان وخا ما حناني
مع ولاد دكالة والشاوية وعبدة
الفرح بالدوام ملا كناني
وبغطاه الافي كساني
انت شمس شارقة من ورا لجبال
غاربة ف بحرنا الهادي
معايل
دراري
تاروا
كنا احباب وجيران واصحاب
عشرة مسالمة
من يامس حتى ليوم القيامة .
غرام المدينة الساحرة، تشربه شبابها أيضا الذين شمروا عن سواعدهم في ظل إهمال المسؤولين... نظفوا الشاطئ وجملوه بأبهى الحلل و جعلوه قبلة للزوار من داخل المغرب وخارجه، طلوا حيطانها باللونين الأزرق والأبيض، و شيدوا شمسيات على امتداد الشاطئ الهادئ مصحوبة بكراسي..
"حسن بوفوشك" شاب يمتلك موهبة نحت فريدة، منخرط في حركية المجتمع المدني ذات الطفرة النوعية بالمدينة، انضم إلى "مصطفى" و "هشام" و "علي" وشباب آخرين، ليشرفوا بأنفسهم على صناعة واجهة سياحية و صنع متنفس بها يخصهم، و يتقاسمونه بحب و انفتاح، مع كافة الزوار من كل بقاع العالم.. صمموا اسم المدينة بالحروف: العربية، اللاتينية و الأمازيغية، وأجبروا الدولة ممثلة في مجلسها الجماعي على التجاوب مع أحلامهم البسيطة و الكبيرة في آن، فوفرت الإضاءة للأسماء التي باتت رمزا يضيء مؤنسة ليل شبابها الحالم المنتظر للغد بأنفاس ساخنة تضاهي دفئ و حرارة المستقبل المشرق... غير بعيد مدافع صغيرة مصممة بإسمنت و ذوق رفيع، نحتتها يدي الشاب "حسن" الذي يرى فيها تعويضا رمزيا عن مدافع المدينة التي دمرت خلال زلزال أكادير التاريخي سنة 1960 الذي قتل ثلث الساكنة و شرد البقية.
تاريخ يرويه الأستاذ "محمد أزداك" الباحث في التاريخ، حيث يرصد سنة 2000 التي عرفت خلاص المدينة من دور الصفيح كمرحلة فيصلية في صلاح منظرها و بيئتها، بل صارعت قبل ذلك طويلا ملاك المصانع و المعامل ليحترموا معايير الاشتغال ضمن بيئة نظيفة، واجتهد أبناؤها في تقديمها كمتنفس ساحر و كواجهة بحرية أخاذة، و كواجهة علمية أيضا بعد أن اكتشفت بها حفريات تفيد تواجد آثار ديناصورات من العصر الطباشيري، إلا أن هذا الاكتشاف لم يقيم بعد وطنيا أو دوليا، و لم تتم التفافة جادة إلى الأميرة النائمة على ضفاف المحيط، ريحانة الأطلس كما يطلق عليها ساكنتها المتنوعي المنبت الثقافي، المتوحدين خلف حب هذه العروس المنسية.