إنّ التطورات العسكرية التي تعيشها ليبيا هذه الفترة تثير مخاوف دول الجوار وفي مقدمتها تونس من إمكانية تسلل عناصر إرهابية فارة من هناك إلى ترابها، خاصّة والجميع يعلم أنّ هناك عددا كبيرا من التّونسيّين ضمن مقاتلي تنظيم داعش. وزير الدّفاع التّونسي يحدّد عددها بألف وتحديدا في مدن سرت وبنغازي التي شارفت فيها القوات الليبية على دحر تنظيم داعش وطرده منها.
وقد اضطرت السلطات التونسية إلى التأكيد مُجددا على أن قواتها المُسلحة على أتم الاستعداد للتصدي لأي تهديد أو خطر إرهابي مُحتمل، وأنها اتخذت كافة الاحتياطات والإجراءات التي تستجيب للمخاطر المتوقعة التي قد تنتج عن الأوضاع المُتقلبة التي تشهدها ليبيا. ويأتي هذا التأكيد، في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات التونسية والأوروبية التي تُحذر من تداعيات تدهور الأوضاع الأمنية والعسكرية في ليبيا على تونس، وتزايد التقارير التي تُشير إلى أن عناصر تنظيم داعش تسعى إلى التسلل للبعض من دول الجوار الليبي، بعد تضييق الخناق عليها في مدينة سرت.
وقالت وزارة الدفاع التونسية في بيان نُشر يوم 9 سبتمبر 2016، إن وحدات الجيش على أتم التأهب والاستعداد للذود عن حرمة التراب التونسي، وجاهزة للتصدي لكل أشكال التهديدات والمخاطر، ارتباطا بتردي الأوضاع الأمنية والعسكرية في ليبيا وتداعياتها المُحتملة على المنطقة. وأكدت في بيانها أن “جاهزية الوحدات العسكرية التونسية تدعمت بعد تعزيز المنظومة الدفاعية بالجنوب عبر دعمها بوسائل مراقبة متطورة وتجهيزات جديدة أعطت نجاعة لتدخلات التشكيلات العسكرية لمنع أي محاولة تسلل أو اختراق للحدود التونسية”، وذلك في إشارة إلى الجدار الذي أقامته في وقت سابق على طول الحدود مع ليبيا. ويتألف هذا الجدار الذي يمتد من معبر “رأس جدير” الحدودي مع ليبيا، وصولا إلى معبر “ذهيبة/وزان” بمنطقة ذهيبة التابعة لمحافظة تطاوين بأقصى جنوب شرق تونس، على مسافة 186 كيلومترا، من مجموعة من الخنادق والحواجز الترابية، وتعززه منظومة مراقبة إلكترونية وجوية.
ويهدف هذا الجدار الذي أضيفت إليه نحو 40 كيلومترا أخرى تمتد إلى ما بعد معبر “ذهيبة/وازن”، إلى الحد من التهريب الذي ينخر اقتصاد البلاد، ومجابهة خطر الإرهاب القادم من ليبيا، وخاصة منع تسلل الإرهابيين إلى التراب التونسي، والحيلولة دون تهريب السلاح. وأوضحت وزارة الدفاع التونسية أن هذا التأكيد الذي شد توقيته انتباه المراقبين، يأتي “على خلفية ما يروّج عن التهديدات التي تستهدف تونس خاصة المتعلقة بتداعيات المعارك التي تدور في ليبيا”. ولكنها لم تذكر في بيانها الجهات أو الأطراف التي روجت لتلك التهديدات، غير أن مراقبين ربطوا ذلك بتصريحات سابقة لوزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان حذر فيها من خطر انتقال عناصر من تنظيم “داعش” الإرهابي إلى تونس أو مصر، عندما يتم طردها من المناطق التي تحتلها في ليبيا.
وكان وزير الدفاع الفرنسي قد قال خلال مؤتمر صحافي عقده يوم 5 سبتمبر 2016 في باريس، “يجب علينا أن نتحسب بشكل جدي لمسألة توزع الإرهابيين بعد استعادة سرت، وغدا بنغازي من الجهاديين”. ولم يستبعد في هذا السياق محاولة انتقال الجهاديين إلى تونس أو مصر، قائلا إن ذلك “سيحمل مخاطر جديدة ولو بطريقة غير مباشرة لتونس ومصر”، مُعربا في الوقت نفسه عن أسفه لأن دول الجوار الليبي ليست موحدة في معالجة هذا الخطر الداهم. وتُقر مختلف الأطراف المعنية مباشرة بتطورات الملف الليبي بمثل هذه المخاطر، بما في ذلك تونس التي لا تُخفي تخوفاتها من تداعيات تدهور الأوضاع الأمنية والعسكرية في ليبيا، على أمنها واستقرارها، كما لا تستبعد إقدام البعض من العناصر المحسوبة على التنظيمات الجهادية، وخاصة منها تنظيم داعش، على محاولة التسلل لترابها بهدف تنفيذ أعمال إرهابية.
وسبق لوزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني أن أكد يوم 6 سبتمبر 2016، على هامش مؤتمر بشأن الأمن في باريس، أن نحو ألف تونسي يقاتلون حاليا في صفوف تنظيم داعش في ليبيا، وأنهم يشكلون تهديدا جديا لبلاده. ورجح أن يتجه البعض من أفراد داعش الذين تم طردهم من مدينة سرت، نحو جنوب وغرب ليبيا، لافتا إلى أنهم "لا يعودون اليوم بأعداد كبيرة إلى تونس ولكن علينا أن نبقى حذرين". وأعرب في المقابل عن أسفه لـ"غياب استراتيجية إقليمية لمواجهة مشكلة المقاتلين المتشددين الأجانب في ليبيا، حيث يتم التعامل مع هذه المسألة يوما بيوم"، على حد تعبيره.
وفيما شدد الحرشاني على أن “الحرب على الإرهاب هي حرب شاملة”، يرى مراقبون أن بيان وزارة الدفاع التونسية، لا يخرج عن سياق إقرار تونس بأن الجغرافيا ارتباطا بليبيا، لم تكن ضاغطة عليها أمنيا بالشكل الحالي، لذلك فهي تضطر بين فترة وأخرى، إلى توجيه رسائل طمأنة إلى الداخل وإلى البعض من الدوائر الإقليمية، تؤكد فيها أنها ليست غافلة عن التحديات التي يفرضها هذا الضغط بأبعاده الأمنية والعسكرية وأيضا الاقتصادية.