التفاصيل الكاملة وحيثيات القضيّة
وعن قصّة الحادثة، قالت مندوبة حماية الطفولة بالكاف السيدة هدى عبودي في تصريح لـ"أصوات الكثبان" إن الطفلة تبلغ من العمر 13 سنة و 8 أشهر و لم تلتحق إطلاقا بالمدرسة وهي تعيش صحبة عائلتها بمنطقة ريفية.
وأشارت المندوبة أن "الطفلة يتم استغلالها جنسيا منذ فترة من قبل هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 21 سنة و ذلك بمنزل والديها بعد خروجهما للعمل الفلاحي و عند اكتشافها للحمل تنقلت لتونس العاصمة بنية الاجهاض"
وعن اكتشاف الحادثة ،أشارت السيدة عبودي إلى أن "مكتب مندوب حماية الطفولة بالكاف تلقى إشعارا من مصلحة وقاية الأطفال بتونس العاصمة بتعرض الطفلة للمُواقعة و حملها لجنين مع ايقاف المعتدي. و بناء عليه بدأ البحث عن مقر إقامة الطفلة بالكاف للتعهد و المتابعة النفسية و المرافقة الصحية إلا أنه و بالتعرف على الطفلة تبين و أن المعتدي قد تحصل على اذن قضائي للزواج بها دون التوقف على السن القانونية للزواج فتم إخلاء سبيله و قام بعقد الزواج".
و أكدت المتحدثة أن المندوبية عبرت عن رفضها لهذا الإجراء وأنها تقدمت بمطلب للنيابة العمومية للرجوع في الاذن الصادر في الغرض مع طلب إبطال الزواج.
وأضافت مندوبة حماية الطفولة أنّ "الزواج تم باتفاق بين العائلتين لتسوية الوضعية القانونية للشاب ليتمكن من الإفلات من العقاب و كذلك درءا للفضيحة لكون الطفلة حامل"
و أوضحت أنّ المندوبية "تحدّثت مع الفتاة التي أبدت قبولها لفكرة الزواج لتسوية وضعيتها العائلية" مشيرة أنه سيتم تأمين المتابعة الصحية للطفلة و كذلك النفسية بالتنسيق مع السيد قاضي الأسرة بالمحكمة الابتدائية بالكاف.
ردود فعل واسعة وغاضبة
وأثارت الحادثة ردود فعل واسعة في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ،كما قامت منظمات حقوقية وسياسية ونشطاء بالمجتمع المدني بالتظاهر أمام البرلمان للمطالبة بتغيير القانون الذي تم على أساسه إسناد الإذن بتزويج الفتاة.
و طالبت مجموعة من منظمات المجتمع المدني في بيان مشترك بـ"الرجوع عن الإذن القضائي وإبطال زواج الطفلة من المعتدي وحمايتها نفسيا واجتماعيا والحرص على استكمال تعليمها، والإسراع بتنقيح الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية وإلغاء فقرته التي تخوّل زواج القاصر بالمعتدي لإبطال التتبع، والتسريع بالمصادقة على مشروع القانون الأساسي للقضاء على العنف ضد المرأة"
في هذا الإطار قالت الناشطة الحقوقية خولة الفرشيشي لـ"أصوات الكثبان" بإنّه "وبعد خمس سنوات من الثورة التونسية التي تعتبر نموذجا إيجابيا ،مازالت حقوق المرأة مهضومة ومنقوصة بقوانين ذكورية مازالت تحمي الذكر من التتبعات العدلية "
وأضافت الفرشيشي بالقول "في هذا الإطار نتطرق إلى قانون 227 من المجلة الجزائية الذي ينص على أن زواج الجاني من ضحيته يُوقف التتبعات العدلية والمحاكمة وهو ما يقنن جريمة الاغتصاب ويتساهل معها بل ويشجع بعض الرجال على التمادي في اقتراف هذا النوع من الجرائم بعد أن جعلوا الزواج مكافأة لهم على جرائمهم البشعة" وفق تعبيرها .
وأكّدت الناشطة الحقوقية أنّه "من الواجب الوقوف ضدّ هذه القوانين التي تذهب ضحيتها النساء والأطفال بتقديم الجناة إلى المحاكمة وتتبعهم عدليا من أجل أخذ جزائهم العادل دون الخوف من نظرة المجتمع وهو دور النخب والمنظمات الحقوقية والنسوية لعلّ المرأة تُنصف في تونس خاصة وأنّها لعبت دورا هاما في الثورة التونسية وفي الحراك السياسي ما بعد 14 جانفي" .
دعوات لإبطال الزواج وتنقيح القانون 227 مكرر
وأكّد محامون وخبراء في القانون سلامة الإجراء الذي اتخذه القضاء من الناحية القانونية ،وفي هذا الإطار قال الخبير القانوني وليد غبارة لـ"أصوات الكثبان" انّه "في سياق وقائع قضية الحال، لا يمكن فهم ما جاء به الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية إلا بالاعتماد على الفصل 227 من نفس المجلة. فالفصل 227 من المجلة الجزائية يتعلّق بالمُواقعة بدون الرضا أو ما يعرف بـ"الاغتصاب".
وأضاف غبارة أنّ "المشرّع قد وضع قرينة مفادها أن الرضا يعتبر مفقودا إذا كان سنّ المجني عليها دون الثلاثة عشر عاما كاملة. بمعنى أن مواقعة أنثى سنها دون 13 سنة كاملة هو اغتصاب دون الحديث عن وجود رضا من عدمه. أما إذا تجاوز سن المجني عليها 13 سنة كاملة فعندها نتحدّث عن وجود الرضا من عدمه. ويعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من واقع أنثى بدون عنف سنها دون خمسة عشر عاما كاملة، حسب ما جاء به الفصل 227 مكرر في فقرته الأولى.
وأشار الخبير القانوني إلى أن " نفس الفصل ينص على أن "زواج الفاعل بالمجني عليها يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة". ولكن الإذن بالزواج لا يسنده القاضي الجزائي وإنما القاضي المدني. وهذا الإذن لا يعطى، بناء على أحكام الفصل 5 من مجلة الأحوال الشخصية، إلا لأسباب خطيرة وللمصلحة الواضحة للزوجين"
و أوضح المصدر ذاته أن للقاضي سلطة تقديريّة في إسناد الإذن من عدمه مؤكّدا أن "الإذن بالزواج لا يقبل الطعن بآي وجه، عملا بأحكام الفصل 6 من مجلة الأحوال الشخصية. بتطبيق هذه النصوص على وقائع القضية الحال فالفتاة تمت مواقعتها وحملت. وتشير الوقائع إلى أن سنها فوق 13 سنة وقد أصدر القاضي المدني اذنا بالزواج تطبيقا لأحكام الفصل 5 من مجلة الاحول الشخصية"
هذا ويشار إلى أن النيابة العمومية أعلنت أنّها ستقوم بكافة الإجراءات اللازمة للتّدخل و إبطال هذا الزواج لدى قاضي الأسرة. وأكّد وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بالكاف، شكري الماجري في تصريحات صحفيّة أنه سيتم قريبا رفع قضية لدى قاضي الأسرة لإبطال عقد الزواج المبرم بين الطفلة التي تم اغتصابها والجاني والطعن في هذا القرار مبينا أنّ رفع هذه القضية سيتم بالتنسيق بين النيابة العمومية ومندوب حماية الطفولة بالجهة.
وأوضح الماجري أن النيابة العمومية قد اتصلت بالعائلة وأذنت بعدم إلحاق الطفلة بمنزل الزوج إلى حين الحسم في النزاع.
وفي ذات السياق أعلن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد عن قرار يقضي بتقديم مشروع قانون في فصل وحيد يتعلق بتنقيح الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية لمجلس نواب الشعب وتقديم استعجال نظر فيه إلى حين النظر في كامل النص المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.
وكانت وزارة المرأة قد قدّمت مشروع قانون متعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة لمجلس نوّاب الشّعب متكوّن من أربعة أبواب يتعلق الباب الثالث منها بجرائم العنف ضد المرأة بما فيها جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي ،اقترحت فيه تعديلات جديدة على الفصلين 227 و227 مكرر محل الجدل في هذه القضية.
محمد بالطيب