بهذه الكلمات يلخص محمد ولد إ سلم تجربته مع لعبة الرماية التقليدية التي يعتبرها وسيلة ترفيه مفضلة لديه وهو يمسك ثلاث طلقات نارية في يده بانتظار أن يحين دوره حيث سيستلم البندقية من المشرف على المسابقة ويحاول إصابة أكبر عدد ممكن من الأهداف التي تم وضعها على بعد 170 متر، وعليه أن يبدأ من أقصى اليمين ويواصل حتى اليسار بوصف ذلك الدليل الأوحد على دقة تحديد الهدف وإصابته، أما أي إصابة لا تحترم الترتيب فتكون لا غية إلزاما حسب القانون الذي وضعه المشرفون على اللعبة.
يسترسل محمد حديثه عن تاريخه مع اللعبة التي يمارسها ضمن طقوس اعتاد عليها الموريتانيون مع كل فصل خريف، وضمن فرق تتشكل حسب الأقران أي التقارب في سنين العمر وهو ما يعرف محليا عند الموريتانيين ب "الأعصار"، ويكون إلزاما على الفريق الذي يحتل ذيل الترتيب أن يقيم مأدبة غداء في اليوم الموالي لباقي أعضاء الفرق المشاركة ويتحمل الفريق الذي يقع في المرتبة ما قبل الأخيرة تكاليف توفير الذخائر على أن تبدأ المنافسة في اليوم نفسه بعد الساعة الخامسة عصرا. ويؤكد محمد أنه لم يمارس اللعبة ضمن الاتحادات التي حصلت على تراخيص رسمية في البلاد وينتمي أغلب أعضائها للمتقاعدين من مختلف الأسلاك العسكرية والأمنية، معتبرا أنه لا فائدة ترجى من الانتماء لها ما دام قادرا على ممارسة اللعبة بشكل حر يفي بحاجته.
أما المشرف على العملية عبد الله والحاج فيقول إن اللعبة لا تزال منتشرة في الوسط الريفي رغم التضييق الممارس على هواتها من قبل أجهزة الدولة التي تعمل على الحد من انتشار السلاح غير المرخص خصوصا في ظل التحديات الأمنية العديدة التي تواجه البلد منذ سنوات، معتبرا أن الدولة تعلم بوجود ممارسي لهذه اللعبة وبأسلحة مختلفة لكنها تتغاضى عن ذلك ما لم يتسببوا في مشكلة وتضرب بيد من حديد إذا ما سنحت الفرصة عبر تسببت إحدى قطع السلاح غير المرخص في إصابة شخص ولو عن طريق الخطأ.
ويضيف عبد الله أن الفوز في الرماية والتمهر فيها يعطي لصاحبه ميزات عديدة بوصفه فارسا أتم شروط الفتوة والمجد في مجتمع بدوي عرف قبل قيام دولته الحديثة غزوات وحروب قبلية طاحنة أدت لمقتل الآلاف وأبيدت فيها قبائل بشكل كبير إذ لا تزال اليوم تعاني من نقص ملحوظ في عدد أبنائها مقارنة مع قبائل أخرى نتيجة لتلك الحروب، كما لا تزال الفوارق الطبقية التي أنتجتها تلك الحروب والغزوات سارية حتى اليوم في مناطق عديدة من البلد ولا تزال القبائل تلقن أجيالها الصاعدة الأمجاد التي صنعتها في تلك الحقب وتؤرخ لأحداث تاريخية بوقائع مشهورة حدثت بين القبائل.