"لخريزة"احدى قُرى طريق الأمل الأكثر تضررا من ظاهرة العطش، يعتمدُ قاطنوها منذُ 4 عقود على الآبار التقليدية التي تتغذى على المياه السطحية ،رغم مخاطرها الصحية على السكان البالغ تعدادهم 4 ألاف نسمة.
يقولُ محمد لـ"أصوات الكثبان" وهو أحدُ سكان القرية ان الظروف المناخية القاسية التي خلفها انحسار الأمطار في المنطقة ، والزيادة المعتبرة للمواشي في قريتهم باعتبارها منطقة رعوية، أسباب من بين أخرى جعلت آبار المياه عرضة للنضوب في بعض الأحيان والملوحة والتلوث في أغلبها، الأمر الذي تسبب في ظهور العديد من الأمراض التي أخذت تفتك بساكنة المنطقة ،خصوصا أمراض الجهازين البولي والهضمي وأمراض الغدة الدرقية وغيرها.
ويُضيفُ "محمد" أنهم استبشروا خيرا بمشروع تزويد مدينة مقطع الحجار القريبة من قريتهم بالماء الشروب، وتابعوا بكل أمل تلك الأنابيب الضخمة وهي تشق قريتهم من جنوبها إلى شمالها لكن ذلك الأمل سرعان ما أخذ في التبدد بعد سنوات من انجاز المشروع ،حيث لم يحصل السكان على أي تجاوب جدي مع قضيتهم المشروعة من طرف الجهات المعنية طوال السنوات الثلاثة الماضية.
هذا الواقع دفع بشباب القرية الى تنظيم احتجاجات أمام القصر الرئاسي في العاصمة نواكشوط ،وإصدار بيانات للتذكير بمعاناتهم، قبل أن يقرروا قبل أسبوعين قطع طريق الأمل كنوع من الضغط على الدولة مرددين هتافات مناوئة للحكومة.
حالُ قرية "لخريزة" لا يختلف كثيرا عن حال " قرية "الكرامة" فَمُشكِلَةُ الماء مُشكِلَة ٌعَويصةٌ تُؤرِقُ قرى طريق الأمل منذ عقود عديدة.
يروي"أحمد" وهو أحدُ الأرقاء السابقين كيف تفاقمت معاناتهم مع العطش في قرية "الكرامة" التي تبعد 340 كلمتر عن نواكشوط بعد نضوب آبارهم بفعل الجفاف، قبل أن يحاولوا اعادة تشييدها من جديد دون فائدة.
يَقولُ أحمد لـ"أصوات الكثبان" انهم تفاجئوا بالقرار الصادر من عمدة مقطع لحجار ،والقاضي بمنعهم من استخدام تلك الآبار من جديد بحجة أن الأرض ليست ملكا لهم.
وناشدَ "أحمد " السلطات المحلية برفع الظلم عنهم والوقوف معهم في هذه المحنة ،مؤكدا أن جل السكان في القرية عاجزين عن شراء المياه التي تباع على عربات الحمير ويتم جلبها من أماكن بعيدة وبسعر مرتفع.
"جَاوِرِ المَاءَ تَعْطَشْ"، بهذا المثل استقبلنا "أمبارك" على قارعة طريق الأمل بمحاذاة قرية "التوميات" ،وهو يُشيرُ بيده الى أنابيب المياه التي تَشُقُ قريتهم باتجاه مدينة مقطع لحجار، دون أن يتمكنوا من الاستفادة منها.
ويتساءل "أمبارك" ،لماذا لا تقوم الدولة بتشييد خزان في قريتهم حتى يتمكن السكان من الحصول على المياه الصالحة للشرب ؟
ويَسْردُ قائلا : "لماذا تعاملنا الدولة معاملة المواطنين من الدرجة الرابعة ،ليست لدينا كهرباء ولا مستشفيات ولا بنى تحتية، حتى آبار المياه التقليدية نحرم منها بحجة أن الارض مملوكة لأسياد وهميين ، هل يريدون منا الهجرة عن مسقط رأسنا أم يدفعونا الى حمل السلاح والخروج على القانون".
بدورها "العافية " احدى ساكنات ضواحي صنكرافة لم تخفي سعادتها في حديثها لـ "أصوات الكثبان" بالمشاريع التي تم تنفيذها في مقاطعة مقطع لحجار، خاصة المتعلق منها بمشروع بوحشيشة.
وتروي "العافية" معاناتها اليومية مع جلب المياه من مسافة 5 كلمتر باستخدام عربات الحمير وقنينات بلاستيكية لحفظ الماء ،مؤكدة أن الحديث عن توفير المياه لقراهم تبين أنه مجرد وعود انتخابية ،متهمةً الجهات المنفذة و المشرفة على المشاريع المائية في المنطقة بالتلاعب وبالزبونية ، وبِتشْييدِ المنشآت المائية على أساس الولاء السياسي وقوة القبيلة التي تستوطن المنطقة، وليسَ على أساس المواطنة و حاجات السكان البسطاء المغلوب على أمرهم.
وكانت الحكومةُ الموريتانيةُ، قد أعلنت عام 2014 عن اطلاق عدة مشاريع تنموية من أبرزها تزويد 150 تجمعاً قروياً بالمياه الصالحة للشرب عن طريق الأنابيب و تجهيز 35 قرية على طريق الأمل بـ40 محطة للضخ تعمل بالطاقة الشمسية .
وتقولُ الحكومة إن تنفيذ تلك المشاريع مرهونٌ بالتجاوب مع نداءاتها المستمرة للسكان بالتوقف عن التقري الفوضوي، نظرا لتأثيراته السلبية على الخدمات العمومية ،مناشدةً سُكان القرى التي تفصل بينها مسافة 7 كلمتر بالاندماج في تجمع قروي واحد ، حتى يَستفيدَ أكثر قدر بشري من خدمات الماء والكهرباء التي تنفذُها الدولة بالتعاون مع شركائها في التنمية.
دعوة ُالدولة للقرى والأرياف القريبة بالاندماج بتجمع سكاني واحد يراها السكانُ هنا مطلبا تعجيزيا لهم ،خاصةً أن كل قرية تتمسكُ بحقها في البقاء بموقعها الجغرافي ،لتبقى بذلك مشكلةُ المياه في القرى والأرياف السكنية تُراوحُ مكانها حتى إشعارٍ جَدِيدْ.