هكذا تلخص "امبوط" حياتها الجديدة وقد استقر بها المقام في كوخ متواضع بالضواحي الشرقية لمدينة ألاك عاصمة محافظة لبراكنه بوسط موريتانيا بعدما قررت ترك الريف حيث يعيش أسيادها السابقون لتعيش في المدينة بحثا عن مصدر دخل يؤمن لها ولأبنائها قوت يومهم ويساعدهم في الوصول إلى مستوى اقتصادي يضمن لهم حياة كريمة دون الاعتماد على الآخرين، وإن كانت وسائل الدخل تقتصر حتى الآن على بيع بعض الحلويات وما يجنيه الابن الأكبر من عمله في حمل الأمتعة والبضائع بواسطة العربة داخل سوق المدينة.
وتبدو امبوط أحسن حالا من جارتها "لكحيله منت لخدم" التي قدمت من منطقة بوفكرين شمال المحافظة قبل سنوات واستقر بها المقام هي الأخرى في الضواحي الشرقية من ألاك. تقول لكحيله إنها كانت هي الأخرى مع أسيادها في الريف قبل أن تجتاح المنطقة موجة برد وثلوج أدت لنفوق الحيوانات بشكل جماعي فاضطرت للنزوح باتجاه عاصمة المحافظة.
قررت لكحيلة أن تعمل كخادمة تعد وجبة العشاء المعروفة محليا بـ "كسكس" لبعض الأسر المترفة نسبيا مقابل مبالغ مالية ظلت تعيل منها أبناءها الذين انفصل عنهم أبوهم قبل سنوات وتركهم دون معيل، وقد استطاعت بناء غرفة طينية واحدة وضربت إلى جانبها خيمة غير أن آلاما حادة في رجلها اليمنى أقعدتها عن العمل بعدما عجزت عن تأمين نقود كافية لعرضها على طبيب فاضطرت لفصل ابنتها الكبرى من المدرسة لتتولى العمل بدلها وهو القرار الذي شمل بقية الأبناء لاحقا لضمان الحفاظ على مصادر العيش.
حال امبوط ولكحيلة هو حال كثيرات من أبناء الشريحة هجرن الريف وهن تحت خط الفقر ليطيب لهن المقام نسبيا في الأحياء العشوائية بأطراف المدن داخل البلاد ليخضن تجربة بناء الأسر والاعتماد على الذات لأول مرة رغم ضغط الواقع وغلاء العيش وتعدد متطلبات الحياة.
ويقول المهدي ولد سيدي محمد وهو أحد الأرقاء السابقين في موريتانيا إن السبب الرئيسي لاستمرار مخلفات الظاهرة رغم مضي أربعة عقود على إعلان الدولة الموريتانية رسميا التخلي عنها، هو استشراء الفقر والجهل داعيا المنظمات الحقوقية إلى التركيز على هذه الجوانب بدل العمل على فصل بعض أبناء الشريحة من عملهم كخدم في المنازل بحجة الخوف من تعرضهم للاسترقاق.
أما الناشطة الحقوقية في منظمة نجدة العبيد خدجان منت محمد التي استقر بها المقام بحي امعيفيسة في الشمال الغربي من مدينة ألاك فترى أن القوانين التي تم إقرارها للقضاء على الظاهرة لا زالت تفتقد لآليات التطبيق والتنفيذ بفعل غياب إرادة جدية وصادقة من المجتمع والسلطة وفي ظل تقاعس العلماء والأئمة عن لعب دور فعال في حل إشكالية اجتماعية مزمنة كالعبودية وهو ما وفر غطاءا دينيا واجتماعيا لممارسيها.
وتستطرد خدجان في حديثها متسائلة عن الدور الذي يمكن للمجالس المحلية أن تلعبه في القضاء على الظاهرة أو مؤازرة ضحاياها مؤكدة أنها كانت شاهدة على حالات عديدة لم يتم التبليغ عنها بفعل الغطاء الاجتماعي وتقاعس الجهات المعنية عن التعاطي مع حالات مشابهة.