أحمد ولد عبد الوهاب طالب في السنة الثالثة من كلية العلوم والتكنولوجيا يروي كيف وصل في أحد الأيام إلى المركب الجامعي الجديد قائلا" غادرت المنزل ولم أستطع الحصول على أية وسيلة نقل لحضور حصة اختبار لا عذر لأي طالب في التخلف عنها فبادرت وقطعت مسافة كبيرة مشيا على الأقدام وصرت أجري إلى أن مرت بي سيارة تابعة لشركة خصوصية تنفذ بعض الأشغال في المنطقة فأقلتني لمسافة ثم نزلت منها، وواصلت المشي سيرا حتى مرت بي سيارة خاصة أخرى فأقلتني لمسافة قصيرة وبقيت لي مسافة كيلومتر واحد قطعتها هي الأخرى سيرا على قدمي لأصل في نهاية المطاف متأخرا عن الموعد المحدد لإجراء الاختبار بساعة ودقائق وكل هذا بسبب عدم توفر باصات كافية لنقل الطلاب.
ويضيف "لم أكن أتوقع أن تكون المعاناة بهذا الحجم ففي ظل عدم جاهزية قسم السكن الجامعي تقدم لنا خدمات رديئة في المطعم بعد الوقوف لساعات تحت أشعة الشمس الحارقة في طوابير طويلة مشكلة من مئات الطلاب وقد تتجاوز الألف أحيانا. أما في ما يتعلق بالمختبرات وتجهيزاتها فحدث ولا حرج. كما أن هناك شروطا يرى بعض الطلاب أنها مجحفة بحقهم للحصول على منحة دراسية لا تتجاوز )8500 -11500( أوقية فالمنحة ليست متاحة للجميع..لكن يبقى النقل هو المشكل الأبرز المطروح بالنسبة لنا فقد تعطل الكثير من الباصات التي كانت تقل الطلاب ولم يتبق منها إلا حوالي 9 باصات في حين أن عدد الطلاب يتجاوز 10.000 تقريبا. وفي قسم الفيزياء المطبقة وطيلة العام الدراسي الماضي لم يعرف الطلاب مكان المخبر، وفيما يتعلق بمواد الأعمال التطبيقية حدث أن حضرت لإحدى حصصها فوجدت أن القاعة غير صالحة ذلك اليوم للاستعمال بسبب التلوث وفي الأسبوع الموالي وجدنا أن معظم الأجهزة غير قابلة للتشغيل ثم دار الأسبوع ليصادف ذلك انقطاع التيار الكهربائي".
الطالب أحمد لا يعيش وحده هذه الوضعية الصعبة فالكثير من زملائه من طلاب المركب الجامعي الجديد يشاركونه نفس الظروف لكن لكل منهم روايته وتجربته الخاصة.
تقول الطالبة بالقسم التحضيري لكلية الطب عائشة محمد الأمين"نعاني من عدم قدرة قاعات المركب الجامعي الجديد على استيعاب أعدادنا حيث يبلغ عدد زملائي 240 طالبا والمركب الجامعي الجديد لا يحتوي إلا على مدرجين أحدهما كبير الحجم والآخر صغير السعة و يتناوب عليهما طلاب السنوات الثلاث الأولى من كلية الطب، مما جعلني وزملائي لا نحظى بقاعة نتلقى فيها المحاضرات بصفة رسمية ومنتظمة، وأحيانا نضطر لإعارة قاعات أخرى في الجامعة القديمة في ظروف غير مريحة إطلاقا".
وتضيف :"نواجه صعوبات جمة أثناء المحاضرات فأنا أدرس في قاعة يتواجد فيها 120 طالبا و لا تتوفر على ميكرفون ولا مكبرات صوت، هذا إضافة إلى مشاكل في التنقل فعدد الباصات المتوفرة لا يكفي لنقل آلاف الطلاب، فأنا أشاهد يوميا مئات الطلاب يصطفون في صفوف طويلة في انتظار وصول باص لا تتجاوز قدرة استيعابه 50 طالبا مما جعل الطلاب يتكدسون داخل الباصات وسط اكتظاظ شديد".
وعن خدمات المطعم تقول عائشة:"إن المطعم بعيد عن بقية أقسام المركب حيث يبعد مسافة كيلومتر واحد يقطعها الطلاب عادة مشيا على الأقدام ذهابا و إيابا وبشكل يومي".
الطالب الجامعي بكلية العلوم والتكنولوجيا (أ.ي) يرى بأن الوضع هش قائلا:"نعيش ظروفا صعبة في المركب الجامعي الجديد فأنا أضطر للوقوف على الطريق الرئيسي لساعات بحثا عن باص متهالك مليء بالطلاب وسط ازدحام شديد وخانق يتكرر يوميا في رحلات الذهاب والإياب، وأعود مساء مرهقا وغير قادر على مراجعة الدروس وهو ما سأدفع ثمنه يوم الامتحان."
أما الطالب في السنة الثانية من كلية الطب محمد الأمين أبات فيرى أن المركب الجامعي الجديد نائي جدا بغض النظر عن ظروف التنقل الصعبة قائلا:" على الطالب أن يخصص ساعتين من اليوم يمضيهما في الباصات ذهابا وإيابا و أحيانا ثلاث ساعات لأن الباصات تتأخر كثيرا وبالتالي يتعب الطلاب ويضيع وقتهم، وقد قررت أسرتي أن تنتقل إلى مقاطعة تفرغ زينة السنة المقبلة حتى أكون اقرب للجامعة فهذه وضعية صعبة ولا اعتقد أنني الوحيد الذي قرر أهله ذلك."
في ظل هذا الوضع الراهن والصعب كما وصفه لنا الطلاب حاولنا الحصول على تصريح من الوزارة وإدارة المركب الجامعي الجديد فلم نفلح في ذلك وبعد بحث وإلحاح قبلت أستاذة جامعية بكلية الآداب أن تتحدث لنا عن واقع المركب الجامعي الجديد وظروف الطلاب داخله بشرط عدم كشف اسمها فقالت:"في كلية الآداب هذا العام واجهنا تأخرا في إطلاق الدروس وتقديم المحاضرات دام شهرا كاملا..أعتقد أننا الآن أمام حقيقة مرة وهي أن الفصل الدراسي الجاري فٌرغ من محتواه المعرفي لأن الطلاب لم يتلقوا إلا القليل من المقررات الدراسية في حين أن الامتحانات على الأبواب وسيدفع الطلاب الثمن فهم الضحية الأبرز..يجب ترتيب الأولويات في المركب الجامعي الجديد وتقديم الحاجات الأهم والأكثر ضرورة بالنسبة للطلاب كتوفير المكتبات والنقل المناسب للطلاب من خلال زيادة عدد الباصات المخصصة لهم، فمن الطبيعي عندما يتضاعف عدد الطلاب المسجلين في مقابل تقلص عدد الباصات المخصصة لهم أن يخلق هذا مشكلة حقيقية لها أثر كبير على الطلاب بصفة عامة و خاصة على الطلاب أبناء الطبقات الهشة وكذا الطالبات".
وتضيف الأستاذة المحاضرة "لقد علمت أن هناك بعض الطالبات ونتيجة للأوضاع الصعبة الراهنة في المركب الجامعي الجديد أُجبرن على التسرب من الجامعة والبحث عن تخصصات أخرى تدرس في المدينة بسبب بٌعد الجامعة من العاصمة وعزلتها جراء غياب نقل مناسب، ناهيك عن عدم قدرة بعض الأهالي على تغطية تكاليف التنقل في سيارات الأجرة،،فالانعكاس السلبي الأبرز للواقع الراهن ستواجهه بشكل أكبر الفئات الهشة والطالبات، فبعض الطلاب والطالبات قدموا من مدن بعيدة في الداخل الموريتاني إلى نواكشوط للدراسة ويسكنون حاليا مع أقرباء لهم في ظروف غالبا ما تكون هشة فماذا سيفعل مثل هؤلاء مع أزمة النقل ووضعية صعبة كهذه؟!
وتقترح الأستاذة الجامعية" أنه كان من الأولى لضمان استيعاب الطلاب القادمين من الداخل أن تراعي الجامعة توفير سكن للطلاب ومكتبات جامعية قبل تدشين المركب الجامعي الجديد وفتحه أمام الطلاب مع إعطاء الأولوية في السكن الجامعي للطالبات فهن لن يقدرن على الصمود طويلا في ظل الوضعية الراهنة الصعبة".
وتتأسف الأستاذة المحاضرة بكلية الآداب لعدم فتح مكتبة في المركب الجامعي الجديد حتى اليوم قائلة:"نحن نشعر كأساتذة بالحرج الشديد عندما نكلف الطلاب بإعداد بحوث لم توفر لهم الدولة مكتبات في المركب الجامعي الجديد لإعدادها..فلا معنى لتشييد مركب جامعي جديد لا يحتوي على مكتبة ورقية واحدة حتى اليوم..فهذه مفارقة عجيبة".
وسط تسجيل كل هذه النواقص وفي ظل وضعية صعبة تتفاقم يوما بعد آخر، قرر الطلاب قبل أسابيع تنظيم سلسلة اعتصامات واحتجاجات تطالب بتحسين ظروفهم وتوفير عدد كاف من الباصات لنقلهم فكان قمع الشرطة لهم بالمرصاد حسب شهاداتهم، فنظموا إضرابا استمر أسبوعين متتاليين وانتهى باتفاق بين النقابات الطلابية وإدارة المركب الجامعي الجديد يقضي بتحسين الظروف ووعود بشراء باصات جديدة لنقل الطلاب في القريب العاجل.
يرى النقابي الشاب محمد سالم ولد محمد محمود وهو الأمين العام لاتحاد الطلبة الوطنيين أن " فصول معاناة الطلاب تتواصل نظرا لعدم توفر نقل جامعي كاف حيث وفرت الوزارة 20 باصا ثلاثة منها للعمال لنكتشف مع الوقت أن عدد الباصات في تناقص يومي بسبب تهالكها وتعطلها دائما، وقد ازدادت الخدمات المقدمة للطلاب سوءا وخاصة على مستوى الباصات والمطعم، حيث يستقبل المطعم يوميا أكثر من 2000 طالب ولا تتجاوز طاقة استيعابه 200 طالب كحد أقصى مما يتسبب في تزاحم الطلاب في طوابير طويلة".
ويضيف القيادي النقابي"في ظل هذه الظروف القاسية وبعد سلسلة أنشطة نظمها الائتلاف الموحد للنقابات الطلابية قرر الطلاب مقاطعة الدروس، وقد نجحت المقاطعة بنسبة 98% تقريبا حيث شكل اعتصام الطلاب عامل ضغط كبير على الجامعة والسلطات، وقد حاولت الشرطة أكثر من مرة أن تفرق الاعتصام بشكل يسمح بمرور الباصات لكن إرادة الطلاب كانت أقوى..بعد ذلك نظم الائتلاف الموحد للنقابات الطلابية مسيرة باتجاه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وقد جوبهت بقمع شديد من قبل قوات الشرطة مما تسبب في تسجيل إصابات وصلت حد الكسور بين بعض الطلاب، وبعد مرور أسبوعين من توقف المحاضرات التقي الائتلاف الموحد بمدير المركز الوطني للخدمات الجامعية وتعهد بتوفير 40 باصا كحل مؤقت ومع هذه التعهدات عاد الطلاب إلى الدراسة في انتظار تحسن الأوضاع و إيقاف المعاناة اليومية للطلاب."