في هذه القرية النائية تحتوي المدرسة على قاعة واحدة يتكدس فيها التلاميذ أمام معلم رث المظهر لا يجيد لا العربية و لا الفرنسية و لا حتى قواعد و أساليب التدريس في الأقسام متعددة المستويات. لذلك يقتصر درسه في أحسن الأحوال على تلقين بعض المفاهيم البدائية. هذا المشهد المحزن الذي يصوره لنا رجل خمسيني لم يعد يطيق صبرا على الوضع يختزل للأسف الحالة في 64% مم المدارس الأساسية في موريتانيا. حسب دليل الإحصائيات المدرسية لسنتي 2013 و 2014، 2757 مدرسة ،من إجمالي 4296 مدرسة تعدها موريتانيا، تقع في أوساط ريفية و تشهد نقصا فادحا... في وضع كهذا يلفظ النظام التعليمي الأطفال بعد سنة أو سنتين من التمدرس مما يهدد مستقبلهم و يرميهم في براثن المجهول.
يقول رئيس الجمعية المحلية لأولياء الأمور في تاغانت محمد عبد اللاهي ولد نيني في هذا الصدد : " كل مدارس موريتانيا تقريبا لا تفتح آفاقا مستقبلية للتلاميذ... أنا مقتنع أننا سنشهد أفول المدرسة الموريتانية إذا ما لم نقم بإصلاح في العمق يمكننا من تجاوز الخلل بخصوص عدم احترام الخارطة المدرسية و عدم ملاءمة أساليب التدريس... يجب أيضا تطبيق القانون 2001/054 بخصوص إجبارية التعليم الأساسي و منع الزواج المبكر وتشغيل الأطفال... انهيار المدرسة الموريتانية يعني تعميم الجهل و روافده بما فيها التخلف و الإنحراف و الجريمة المنظمة". و يشاطره في الرأي مصطفى ولد حمادي، عضو جمعية أولياء الأمور بمدرسة تيجيكجا الذي يقول : " أزمة المدرسة الموريتانية هي أزمة إجتماعية و إقتصادية تعود لفقر و أمية الأولياء، البعد و العزلة، عدم استقرار العائلة، فشل النظام التعليمي ( لم تعد المدرسة تمثل مكانا للإرتقاء في السلم الإجتماعي)، وما زاد الطين بلة تأسيس مدارس بأمر من كبار المسؤولين و شيوخ القبائل بإسم زبونية سياسية كارثية النتائج".
من جانبهم و وعيا منهم بالمخاطر المحدقة بالمدرسة الموريتانية، التقى القائمون على المجال التعليمي مؤخرا لمدة ثلاثة أيام في العاصمة نواكشوط للبحث في أسباب الإنقطاع عن الدراسة و سبل مجابهته. و برغم خوضهم في أهم الأسباب كالزواج المبكر و عمل الأطفال و أمية أولياء الأمور و الفقر و الجهل إلا أنهم غضوا النظر عن ظاهرة مهمة ألا وهي مدارس منطقة الريف التي لا تحمل من المدارس سوى الإسم. فالدولة الموريتانية تواصل ضخ الأموال ( توفير المدرسين و التجهيزات و تجهيز المطاعم المدرسية...) لضمان استمرار هذه المدارس الصورية التي لا تحمل أي قيمة مضافة و لا تنعكس إيجابا على نسبة التمدرس. لكن رغم ذلك تنتشر هذه المدارس انتشارا كبيرا و أغلبها (80%) متمركز في شرق موريتانيا ( الحوض الشرقي و الحوض الغربي) و الوسط (تاغانت و أسابا) و بعض مناطق الشمال (أدرار و تيريس زمور)...لكنها لا تحترم أي مواصفات و تتلخص أحيانا في مخزن أو خيمة بدل قاعات الدرس.
يقول محمد ولد أحمدو متفقد في بلدة بوبكر بن عامر( مقاطعة تاغانت) : " كل مرة أزور فيها هذه المدارس الغابية الواقعة في مناطق مغلقة تفتقر للماء الصالح للشراب أحس بحزن شديد و أنا أرقب هؤلاء التلاميذ المحكوم عليهم بالفشل و ترك مقاعد الدراسة".
"هذه المدارس موجودة في كافة أنحاء موريتانيا و هي في أغلب الأحيان نتاج لتواطئ إدارة من الإدارات مع شيوخ القبائل و بعض المسؤولين السياسيين الفاسدين تحت راية الزبونية السياسية... و لا تزال الظاهرة تتفاقم منذ ما يقرب عن العقدين من الزمن... أما بالنسبة للنتائج الهزيلة للمدرسة الموريتانية فتعود لانهيار مستوى التلاميذ و عدم القدرة على مواصلة الدراسة خاصة بالنسبة للفتيات... للأسف هذه المدارس يعتبرها البعض ملكيات خاصة و رمزا للهيبة كما يعتبرها البعض الآخر أصلا تجاريا يحدد الوزن السياسي لمنطقة ما أو قبيلة أو مجموعة عرقية" يصرح لنا مسؤول سامي بوزارة التربية فضل عدم الإفصاح عن هويته.
ويعمق الزواج المبكر للفتيات الأزمة ففي 2015 مثلا ألغي فصل بأكمله كان يضم تلاميذ للسنة الخامسة من التعليم الأساسي بسبب تزويج كل بنات الفصل المتراوحة أعمارهن بين 11 و 12 سنة.حصل ذلك في قرية تمبريهيم الواقعة في مقاطعة تاغانت. كما لا ننسى الفقر الذي يؤدي إلى تشغيل الأطفال و هي كلها عوامل تساهم في تعميق نكبة التعليم في موريتانيا.