ولعل ابرز هذه الملفات هو ملف أساتذة سد الخصاص و التربية الغير النظامية الذي لم يعرف طريقه بعد نحو التسوية المالية و القانونية و الإدارية ، بحيث ان النيابات التابعة لوزارة التعليم تحصي الخصاص في الموارد البشرية وبالأخص اطر التدريس للابتدائي الاعدادي و الثانوي التأهيلي خصوصا في المجال القروي والمناطق الصعبة و الهشة ، وبالتالي تلجأ النيابات التعليمية و على رأسها وزارة التعليم للتعاقد مع مجموعة من الشباب ذوي الشهادات الجامعية والتعليم العالي لسد هذا الخصاص المزمن الذي يعانيه قطاع التعليم في المغرب.
ويقدر عدد اساتذة سد الخصاص في المغرب ب 3500 أستاذ يعيشون وضعية أقل ما يمكن ان يقال عنها انها صعبة و لا تكفل لهم الحقوق المنصوص عليها في قانون الشغل المطبق بالمغرب. فهم يتقاضون اجورا هزيلة تبلغ ما بين 1500 درهم و 1900 درهم علما انهم يمارسون التدريس وفق البرامج التعليمية التي تضعها وزارة التربية الوطنية و يخضعون للمراقبة والتفتيش التي يخضع لها الأساتذة الرسميون ويتحملون مسؤولية تقييم التلميذ(ة) عبر المراقبة المستمرة و إجراء فروض و اختبارات داخل القسم، و منحه النقطة التي يستحقها خلال نهاية كل دورة في السنة الدراسية و ملزمون بالتقيد باستعمال الزمن الوطني، حيث نجد الثانوي التأهيلي أزيد من 18 ساعة أسبوعيا، والثانوي الإعدادي أزيد من 23 ساعة أسبوعيا، ثم الابتدائي ما يعادل 30 ساعة في الأسبوع ، والإدارة ما يزيد عن 39 ساعة.
يقول حسن (28 سنة ) احد أساتذة سد الخصاص : "انا أدرس بأحد القرى النائية نواحي اقليم تارودانت، في قسم معزول يحفه الجبال. هو قسم لا سور له ولا مرافق صحية، وفي غياب تام للكهرباء و الماء الصالح للشرب. أدرس تقريبا 44 طفل ..معاناتي لا تنتهي هنا في عدم توفر ابسط شروط العيش الكريم، بل في تعريض حياتي للخطر كل صباح وانا امشي من مكان سكني الذي يبعد عن المدرسة او اثناء عودتي، فالحيوانات البرية دائما موجودة لاستصعاب الطريق. كما ان الاجر البسيط الذي من المفروض ان اتقاضاه اخر كل شهر والمتعاقد عليه مع الوزارة المعنية لا نحصل عليه الا اخر كل سنة "
تتنهد مريم ولكرام بعمق قبل ان تسترسل بالحديث عن معاناتها كواحدة من اساتذة سد الخصاص " كاد المعلم ان يكون رسولا، الا ببلدنا المعلم يهان ولكنه يستحمل تحت ظرفية البطالة وان لقمة الحلال غير سهلة المنال. اشتغل كأستاذة التربية الغير النظامية منذ مايزيد عن ثلاث سنوات واخبرك بكثير من الحسرة و الالم اني لم اتحصل سوى على الدفعة الاولى من اجرتي أي السنة الدراسية الاولى و بقيت السنتين المتتاليتين بدون اجري القانوني لحد الان. هذه المعاناة اتقاسمها مع مئات الاساتذة. فنحن نستحمل ظروف التدريس ونضطر لاستحمال تأخر الاجرة السنوية ايضا. خضنا مجموعة من المعارك و الوقفات و التنديدات امام الوزارة و البرلمان ولكن المعنيين يقابلوننا برد واحد صارم انه لا توجد سيولة مالية، فكيف يعقل ان لا تتوفر الوزارة على 7000 درهم كأجر لسنة دراسية كاملة ؟ وبالتالي نضطر للرضوخ كوننا مجازين ومعطلين وهذا العمل املنا الوحيد "
وفي السياق ذاته ، أدانت التنسيقية الوطنية لأساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية ، الاقتطاعات غير المبررة التي تطال الأجور، و حملت كامل المسؤولية في هدر وقت المتعلمين لتماطل المسؤولين والأطراف المتعاقدة في تنفيذ التزاماتهم.
وطالبت التنسيقية الوطنية لأساتذة سد الخصاص ومنشطي التربية غير النظامية في بيانات صادرة عنها ، بتكوينات بيداغوجية مستمرة لكافة أساتذة وأستاذات التنسيقية الوطنية لتسهيل إدماجهم مهنيا واجتماعيا، والرفع من المستحقات المالية لتصل إلى الحد الأدنى للأجور(3000 درهم شهريا) كما تنص عليه المواثيق الوطنية والدولية لحقوق الانسان.
ويشكل "مصطفى" 27 سنة نموذجا لمعاناة أساتذة سد الخصاص. فهو يدرس بأمسكروض 40 كلم عن مدينة أكادير حيث يقول:" أدرس في ظروف صعبة، حيث نعين في المناطق النائية لا سكن ولا ماء، حتى الأجور التي نحصل عليها لا تصل إلى الحد الأدنى للأجور، تقريبا 1800 درهم في الشهر، ولا يتم صرفها بشكل شهري بل يتم تجميعها عبر أربعة أشهر أو سنة. مطلبنا هو تسوية وضعيتنا الإدارية والقانونية والمالية، فنحن لا نِؤمن الساعات الإضافية بل ندرس مثل الأساتذة الرسميين و ملزمون بالتحضير و الحضور.
ويقول يونس ريشكا احد اعضاء التنسيقية الوطنية لأساتذة سد الخصاص : " نحن نرفض هذه السياسات التخريبية في قطاع حيوي كالتعليم ونؤكد تشبُثنا بمطلبنا العادل المتمثل في تسوية الوضعية القانونية و الادارية و المالية لاساتذة سد الخصاص و التربية غير النظامية بدون قيد او شرط مع ضرورة التعجيل بهذا المطلب .. "
من جهته أكد خالد برجاوي الوزير المنتدب لدى وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في اتصال هاتفي حول ملف اساتذة سد الخصاص : " ان الحكومة تسعى جاهدة لحل هذا المشكل كما انه سيطوى بشكل نهائي هذه السنة بحيث ان النيابات استعانت في السنوات الماضية ببعض حاملي الشواهد العليا لسد الخصاص الذي يعانيه قطاع التعليم مما خلق لنا هذه الازمة وبالتالي سنقتلعها من الجذور من خلال توقيف هذا الاجراء وبالتالي التوظيف والإدماج في سلك التعليم لم يمر الا عبر الحصول على شهادة التأهيل التربوي من المراكز المذكورة والنجاح في مباراة التوظيف"
وأوضح : " أنه ثم فتح أبواب المباريات لولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، بالنسبة لحاملي الشهادات الراغبين في التكوين في مجال التدريس، ممن تتوفر فيهم الشروط النظامية "