عملت فاطمة البالغة من العمر ستة عشر عاما لدى خمس منازل في أكادير منذ بدأت العمل كخادمة منزلية في سن الرابعة عشر تقريبا. وقد قالت لمراسلة أصوات الكثبان أنها لم تستقر أبدا في نفس العمل لفترة طويلة لان "كل النساء اللاّتي اشتعلت عندهنّ عاملنها بطريقة سيئة" مضيفة "أنا كنت أستغلّ زيارة أهلي في إجازة العيد حتّى لا أعود مرة أخرى بسبب سوء المعاملة. لما أتركهم وأرجع لبيتي لا يعطونني الأجر المدينين لي به. على سبيل المثال، لا يعطونني اجر الشهر أو الشهرين أو الشهر ونصف الأخير".
لخصت فاطمة آخر وظيفة حصلت عليها حيث قالت أنها كانت تعمل ثمانية عشر ساعة يوميا بدون فترات للراحة أو إجازات: "بمجرد ما أخلِّص أيَّ شغل لازم يعطوني مهمة جديدة ، حتى أثناء الجلوس لازم أكون باعمل حاجة مثل تنظيف الخضار أو أي عمل آخر". وقالت فاطمة أنها تكره بشكل خاص العناية بالرضع سواء في هذه الوظيفة أو الوظائف الأخرى السابقة". هم يخرجون ويتركونني مع الأطفال الرضع، ويسألونني أن أجهّز لهم الرّضعات ولكنّني لا أعرف كيف أحضّرها، فيبكي الرضّع من الجوع ويمنعونني من النوم أثناء الليل".
لقد أخبرت فاطمة مراسلة أصوات الكثبان أن أمّها تتسلم من الأسرة الّتي تشغّلها أجرها الذي يبلغ 400 درهم شهريا (ما يوازي 44 دولارا أمريكيا تقريبا)، من هذا المبلغ تدفع أمها 100 درهما إلي السمسار (المتعهد) الذي أوجد الوظيفة لفاطمة، ولكنّها لا تتسلم أي جزء من هذا المبلغ. وتقول: "أمي عملت الاتفاق والسمسار خدني للبيت (مكان العمل)". وتؤكّد الفتاة أنّها لا تمانع في العمل طالما أن أسرتها تحتاج للدخل، "بس أنا كنت أتمني يكون شغل معقول".
وذكرت فاطمة أيضا أن صاحبة العمل في وظيفتها الأخيرة كانت تسئ معاملتها: "تستخدم كلاما فاسدا وتقول أشياء سيئة عن أمي أو تهددني أنها تجيب البوليس يضربني. أحيانا، تضربني بأيديها أو تخنقني إذا لم أحضر ما طلبته مني أمّ المشغلة بسرعة كافية و تشتكيني الأم التي فتقوم المشغّلة بضربي".
وأضافت فاطمة أن صاحبة العمل تحبسها في داخل المنزل ولا تسمح لها بالاختلاط الاجتماعي ببقية أفراد الأسرة. "أنا آكل في المطبخ من بقايا طعامهم. الطعام غير كافي ولكني لم اشتك خوفا من أن تضربني أو تعاقبني. كنت أنام في حجرة مخزن تحت السلم. كانت في السابق حماما وبها رائحة سيئة تأتي من مواسير الصرف. الحجرة صغيرة جدا، قدمي تلامسان الباب حين أنام.... لم أكن اخرج من البيت إلا لكي أضع الزبالة في الخارج".
ما كانت فاطمة قادرة علي احتمال سوء المعاملة في هذه الوظيفة مثل باقي وظائفها السابقة إلا بفضل الإجازات فما أن يأتي ميعاد أحد الاحتفالات الدينية (المواسم والأعياد) لكي يعطيها مبررا لكي ترجع إلي منزلها، وأخبرت فاطمة مراسلة أصوات الكثبان أن العمل الشاق وقلة الوقت المخصص للنوم كان أكثر مما يمكن لها أن تحتمله. "تركت العمل بدون إذن. تركته لأني كنت أعمل من السادسة صباحا حتى منتصف الليل ولأنه عمل صعب وعندما أنام تأتي صاحبة العمل وتقوم بإيقاظي بخشونة. العمل كان اكتر من كثير".
ولأنها تركت المنزل بدون إذن، وبدون نقود أو وسيلة تمكنها من العودة لمنزل أهلها، فقد وضعت فاطمة نفسها أمام خطر القبض عليها بتهمة التشرد أو بتهمة السرقة في حالة أرادت صاحبة العمل اتهامها زورا بذلك كعقاب علي تركها المنزل بدون إذن. لقد وضعت نفسها أيضا أمام خطر تجنيدها للعمل في الدعارة أو تعرّضها للاغتصاب إذا اضطرت إلي قضاء الليل في الشارع. لقد كانت محظوظة. فكما أخبرت مراسلة أصوات الكثبان كيف أن البوليس وجدها في محطة الحافلات بأكادير حيت كانت تبكي وسألها ما إذا كانت ترغب في العودة إلي المنزل الذي كانت تعمل فيه. عندما أجابت بالنفي فتشوها "لكي يروا إذا ما كنت قد سرقت شيئا" وعندما وجدوا أن كل ما معها كان رغيفا من الخبز أخذوها إلي منظمة غير حكومية محلية تمارس نشاطها في خدمة أطفال الشارع، بما فيهم الأطفال خدم المنازل سابقا.
حسب دراسة أنجزتها منظّمة هيومن رايتس ووتش، يعتبر وضع فاطمة الموصوف أعلاه، أفضل من وضع الكثير من الأطفال خدم المنازل المغربيين الآخرين. فتقدر بعض الدراسات أن ثلث خدم المنازل الأطفال يبدؤون العمل قبل أن يتمّوا عامهم العاشر وهو ما يعني أن فاطمة هي نسبيا اكبر سنا حينما بدأت العمل أول مرة. هي أيضا تملك نضجا أكثر من أقرانها خادمات المنازل الأطفال، وفقا لدراسة أنجزت في2001 عن الأطفال خدم المنازل في المغرب فقد وُجِدَ أن أكثر من 83% لم يلتحقوا بمدارس إطلاقا وكانوا تحت العاشرة من العمر.
سن فاطمة جعلها إلي حد ما أكثر قدرة على حماية نفسها من أصحاب العمل المسيئين، على الرغم من ذلك فان سنها ساهم أيضا في تقدير أهلها أنها "كبيرة السن بشكل كاف" لكي يتم إرسالها لتعمل.
"الأطفال الآخرون في سنّي يذهبون إلي المدارس بينما أنا أعمل لأني البنت الأكبر سنا وعائلتي محتاجة". جملة تختصر معاناة فاطمة.