طريق طويل قطعناه من مدينة أكادير وصولا لمدينة تارودانت ثم الى دوار امرازكان بجماعة ايكيدي، استقبلتنا الجبال تماما كما لهيب الجو وكأن الشمس التي رافقتنا منذ صبيحة اليوم تعانقنا. كان من المستحيل ان نكشف عن هويتنا الصحفية وبالتالي اضطررنا للعب دور السائح في هذا الدوار النائي، هكذا تعرفنا على مجموعة من قاطني هذا الدوار تبادلنا معهم اطراف الحديث لنكتشف ان ظاهرة تزويج القاصرات باتت اليوم عادة ولابد من دق ناقوس الخطر.
بعد كثير من التردد ومحاولة رفض الحديث معنا، اخيرا اقتنعت فاطمة بمصارحتنا بعدما أجلست طفلتها بقربها على الصخرة " زوجوني في سن 13 سنة، يعني ما ان بلغت وجهت الانظار لي فبعد تزويج اختي الاكبر مني بسنة حان دوري، لم اكن اعلم عن زوجي شيئا بل لم اكن اعرفه، كل ما بلغني من والدتي انه متدين وابي موافق، وبالتالي سلمت أمري لقدري، وحصل الزواج لأفاجئ انه رجل يكبرني بسنوات بل انه أكبر سنا من والدي، لم اكن اعلم عن ماهية الزواج شيئا، كل ما اعلمه انه علي ارضاء زوجي وطاعته كي يرضى عني الله، هكذا أطعت أهلي وزوجي دون ان أنطق او ارفض .. اليوم انا أم وأحب ابنتي لكن اخاف عليها من ان يكون قدرها كقدر أمها، اتمنى ان تعيش طفولتها كما يجب وان لا يتم تزويجها قصرا وسأعمل على ذلك وان استدعى الامر ان اهربها...الزواج دمر احلامي كم كنت اود ان ادرس و اصير معلمة .. انا اليوم في سن 21 سنة لكن احس اني ابلغ من العمر 50 "
نفس الحلم تتشاركه زينب مع فاطمة، اقتربت منا ونحن على اهبة البحث عن مكان ننام فيه كي نكمل عملنا في اليوم الموالي، ففاجأتنا بعرضها للمساعدة و هي تنظر لنا بإعجاب و عينين يكاد بريقهما يضيء هذا الطريق الملتوي، زينب تبلغ من العمر 16 سنة، وقالت " تمنيت ان اكمل دراستي لأصير طبيبة و لكن للأسف الظروف لم تسعفني ، سمعتكم تحدثون عن تزويج الفتيات اقل من 16 سنة وانا ايضا قريبا سأصير ضحية لهذا الزواج، انا مخطوبة منذ شهرين لابن خالة أمي، الذي سبق وكان متزوجا من اثنتين الاولى توفيت و الثانية لا تلد و بالتالي سأصير الثالثة .. "
اندهشنا لصراحة الفتاة وشجاعتها، فأدمعت عينيها وحاولت اخفاء دموعها بسرعة بكمها وألحقتها بابتسامة عميقة " نحن لا نملك الحق في تقرير مصيرنا، صحيح ان الكل يحارب تزويج القاصرات حتى القانون لكن العرف وجد طريقه، فمثلا انا سيتم تزويجي من هذا الرجل بدون اوراق قانونية الى حين بلوغي 18 كي يتم الاعتراف بي قانونيا، أي انه سنتين من عمري سأعيشهما في كنف هذا الرجل، لا أقول انه سيء ولكن لا اريد الزواج..ابنة عمي امينة زوجوها لرجل في السبعين من عمره وهي تبلغ 15 سنة، هل تعلمون ماذا حدث ؟ نزيف حاد وتوفيت وهي تجاهد حتى سلمت روحها للخالق، حدث هذا و سكان قريتنا لازالو على حالهم .." أغمضت عينيها فجأة وقررت ان تذهب، قبل ان امسك يديها الصغيرة و اعطيها كتابا لفاطمة المرنيسي كنت اقرأه على الطريق وعدتنا انها ستقرأه وستتذكرنا دائما..
في صبيحة اليوم الموالي، التقينا الحاجة ميلودة التي كانت عاقلة ورزينة الى حد ما وحين سألناها عن الموضوع، أكدت انها ظاهرة متوارثة وان كانت قابلة للزوال، ومع هذا لازال العرف و التقاليد سائدة ولا زال الكثيرون يعتبرون الفتاة قنبلة موقوتة يجب تزويجها للتخلص منها ما ان تنضج وتتوفر فيها الشروط، " انا بدوري تزوجت في عمر 11 سنة، هكذا وجدنا اجدادنا وهكذا علمنا اباؤنا ..الوقت تغير واظن أن هذه الظاهرة ،مع القانون الجديد، سيأتي يوم وتنذثر " ...
هذا ونجد ان الجدل بخصوص تزويج الفتيات القاصرات في المغرب يحتدم فبعد مصادقة مجلس النواب المغربي على تمديد فترة الاستماع إلى قضايا ثبوت الزوجية، والتي يعتبرها الحقوقيون "غطاء لزواج الفتيات دون سن الرشد"، يطالب حقوقيون بتعديل فصول من مدونة الأسرة في البلاد، لسد الثغرات التي تسمح بتزويج الفتيات دون الـ 18سنة
وقد أوضحت جمعية "حقوق وعدالة" أن زواج القاصرات في المغرب، يتم عبر استغلال ثغرات في مادتين بمدونة الأسرة، إذ يتم هذا الزواج إما بطريقة عرفية، تليها مسطرة ثبوت الزوجية، التي تنص عليها المادة 16 من هذه المدونة، وإما بتزويجها عن طريق القضاء من خلال مسطرة الإذن بزواج قاصر، والتي تتحدث عنها المادة 20 من النص القانوني ذاته
وتنص المادة 16 من المدونة على اعتماد المحكمة في سماع دعوى الزوجية، سائر وسائل الإثبات إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، وهو ما دعت الجمعية إلى تقييد استغلاله في زواج القاصرات، من خلال تعديل هذه المادة حتى تصير المحكمة "تفحص وتناقش طبيعة الأسباب القاهرة التي حالت دون توثيق العقد ومدى شرعيته"، حسب ما أوضح المحامي محمد المسكم، عضو جمعية "حقوق وعدالة"
وفي ما يتعلق بالمادة 20 من النص ذاته، والتي تخول قاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى أو الفتاة دون سن الأهلية بقرار معلّل، دعت الجمعية الحقوقية إلى تعديله ليحدد منح الإذن لتزويج القاصرين، الذين يبلغون 16 عاماً فقط، للحيلولة دون تزويج من هم دون هذا العمر على الأقل
على صعيد آخر، أكد رضا أولامين، رئيس جمعية "حقوق وعدالة" أن الإحصائيات المتعلقة بزواج القاصرات تستوجب "دق ناقوس الخطر لكونها صارت غير مقبولة"، حسب ما جاء على لسان المتحدث الذي ذكر بأن تزويج القاصرات انتقل من 14 ألف حالة سنة 2004، سنة دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، إلى 35 ألف حالة سنة 2014 وهذه الارقام قابلة للتصاعد ونحن في سنة 2016
وقال الدكتور عفياني محمد ، دكتور في الطب العام، في حوار خاص معه، ان لزواج القاصرات مخاطر عديدة و كبيرة ، بدءا بالممارسة الجنسية، حيث يتحوّل الجنس إلى عذاب بالنسبة للقاصر وليس متعة بما أن الجهاز التناسلي هو جهاز فتي وغير ناضج كليا، إذ إن العلاقة الجنسية بحد ذاتها قد تشكل خطورة على الفتاة وقد تؤدي في أحيان عديدة إلى تمزق الفرج، ثم إن عدم التأقلم مع الحمل يجعل إمكانية الإصابة بالعقم جلية نتيجة قلة الخبرة وعدم مراقبة الحمل طبيا، ناهيك عن احتمال إسقاط الجنين لعدم اكتمال شروط الحمل خاصة ان حجم الرحم صغير
هذه الارقام و الثغرات القانونية و الحالات المحزنة التي تتفاقم خصوصا في المجال القروي و النائي لابد ان تدق ناقوس الخطر، وتعلن الدولة حالة تأهب و ثورة حقوقية لحماية هؤلاء الاطفال من هذا الشبح الذي بات يؤرق الكثيرين منهم و يمنعهم من أبسط حقوقهن ..