وتبعا لآخر التّطوّرات في ملفّ داعش، تُعَدُّ إشكاليّة الإرهابيين العائدين من بؤر التوتر من أبرز الملفات التي ترهق السلطات التونسية خاصة بعد الضربات التي تلقاها تنظيم داعش في في بنغازي وسرت ودرنة بليبيا الأمر الذي يثير مخاوف المراقبين من تسلل الإرهابيين الفارين من هذه المناطق إلى تونس.
وتثير التطورات الأمنية والعسكرية التي تشهدها ليبيا مخاوف السلطات التونسية من تسلل الإرهابيين إلى أراضيها الأمر الذي عكسته تصريحات وزير الداخلية التونسي الثلاثاء 20 سبتمبر التي أكد فيها أن عودة المقاتلين من بؤر التوتر تعد أحد أعقد الملفات التي تواجه وزارة الداخلية في هذه الفترة. وكانت تقارير استخباراتية سابقة قد أكدت أن المقاتلين التونسيين الذين اتجهوا في أعقاب سنة 2011 إلى سوريا والعراق قد اتجهوا منذ سنة 2015 إلى ليبيا وذلك بعد الضربات التي تلقاها تنظيم داعش ومختلف التنظيمات الإرهابية الأخرى خاصة بعد التدخل الروسي في سوريا.
ومع اقتراب قوات البنيان المرصوص من حسم المعركة في سرت إضافة إلى الضربات التي تلقتها الجماعات الإرهابية في مدينة بنغازي التي شارف الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على تطهيرها بالكامل من جيوب الإرهابيين، يرجح مراقبون أن يتجه الإرهابيون الفارون من ليبيا نحو تونس.
ويرى مراقبون أن تصريحات وزير الداخلية التّونسي تعتبر بمثابة دق ناقوس الخطر إزاء هذا الخطر الذي بات يترصد البلاد. وفي هذا السياق قال المحلل السياسي والدبلوماسي السابق عبدالله العبيدي إن موضوع العائدين من بؤر التوتر معقد إلى درجة لا يمكن تخيلها، فالدولة عاجزة عن تحديد ما إذا كان هؤلاء العائدون قد انخرطوا في تنظيمات إرهابية أم لا، وحتى الدول التي كانوا يقيمون فيها تملك وثائق لا تدين إلا عددا قليلا منهم.
وكانت تونس قد تعرضت مطلع مارس الماضي لأعنف عملية إرهابية استهدفت مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا. وهاجم العشرات من الإرهابيين حينها ثكنات للجيش وقواعد للشرطة في المدينة. وتمكنت قوات الأمن التونسية من صد الهجوم وقتلت ما لا يقل عن 50 مهاجما واعتقلت العشرات منهم في أقوى ضربة يتلقاها مقاتلو التنظيم في تونس. ويتخوف التونسيون من تكرار سيناريو بنقردان مرة أخرى خاصة في ظل الانفلات الأمني الذي تعيشه ليبيا.
والأمر لا يتوقّف عند عمليّة بن قردان على الحدود اللّيبيّة التّونسيّة، فالسّلطات الجزائريّة كثيرا ما تحجز كمّيّات من الأسلحة والذّخائر الحربيّة في مخابئ داخل الجزائر. وهي أحيانا تقبض على المهرّبين/الإرهابيّين ولا تجد لهم أثرا أحيانا أخرى ممّا يثير مخاوف جدّيّة حول حجم الخطر المحدق بدول الجوار اللّيبي.
كما لا يُعَدّ هجوم بنقردان بداية التهديد الأمني القادم للمنطقة من ليبيا ذلك أن عمليات إرهابية أخرى سبقت هذه العملية مثل سوسة وباردو بتونس وعين أميناس بالجزائر وقد أثبتت التّحقيقات أنّ منفذيها قد تسللوا إلى تونس والجزائر بعد أن تلقوا تدريبات في ليبيا.
ولئن شيدت تونس جدارا عازلا على حدودها مع ليبيا تحسبا لتسلل الإرهابيين إلى أراضيها، يمتدّ طوله أكثر من 220 كيلومترا فإن المحلل السياسي التونسي عبدالله العبيدي لا يرى جدوى في هذا الجدار ما لم يتم تركيب منظومة المراقبة الإلكترونية التي وعدت الولايات المتحدة بتركيزها. ولعلّ الزّيارة الأخيرة للرّئيس الباجي قائد السّبسي للولايات المتّحدة قد تكون بدأت في طمأنة المحلّل باعتبار أنّ الرّئيس التّونسي قد أكّد من واشنطن أنّ الانتهاء من تركيب المنظومة المشار إليها لن يتعدّى نهاية السّنة الجارية.
ورغم ما يقوله مسؤولون أمنيون بأن القوات التونسية بدأت تحقق تقدما في مكافحة المتطرفين الإسلاميين بعد هجمات العام الماضي وأن المخابرات أيضا تنمو وتتطور ولو ببطء، فإن مراقبين يؤكدون أن القضاء على الإرهاب لا يمكن أن يتم إلا بمخطط شامل يبدأ بالترفيع في معدلات التنمية في المناطق المهمشة وتوفير فرص التشغيل إضافة إلى بعث برامج ثقافية لمحاربة الفكر المتشدد.
خلاصة القول أنّ الخطر الدّاهم من ليبيا مازال في أوجه ولم تفُتَّ عزائمه هزائم داعش في بنغازي وسرت ودرنة.