يوجد اليوم في موريتانيا مدير مؤسسة إعلامية تحت الرقابة القضائية، وتم الاعتداء جسديا على أحد الصحفيين، وتم توقيف مغني راب، وتم تضييق الخناق على نقابات فاعلة في المجال المعدني لمنعهم من حقهم في التظاهر... النقطة المشتركة بين كل هؤلاء: احتجاجهم على سياسة النظام الموريتاني.
"ضمان التمتع بالحريات الأساسية"
تضمن المادة 10 من الدستور الموريتاني حرية التعبير والرأي والتفكير. بيد أن العديد من المنظمات غير الحكومية، الوطنية والدولية، ترى أن موريتانيا بدأت مؤخرا التطبيع مع شياطين الاستبداد القديمة.
"لقد أصبح ضمان تمتع المدافعين عن حقوق الإنسان بالحريات الأساسية وبممارسة حقوقهم الإنسانية بشكل هادئ مقيدا من قبل السلطات العمومية والتجمعات المحلية التي تحمل قراراتها شططا في استعمال السلطة غير مسبوق في هذا البلد" يصرح كريم لاحجي، رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان.
وتوضح حالات عديدة ما ذهب إليه الحقوقي الدولي.
لقد احتل بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، الفائز بجائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان سنة 2013، المركز الثاني في رئاسيات 2014. وقد أدانته محكمة روصو، يوم 15 يناير 2015، وحكمت عليه بالسجن سنتين، على خلفية مشاركته في مسيرة احتجاجية شملت ولايتين اثنتين.
"إن متابعة وإدانة شخص ما بسبب نشاطه ضد العبودية تعتبران جريمة. ثم إن تراجع حرية التعبير والتجمهر واضح في إدانة بيرام ورفاقه" يقول ذ/ ابراهيم ولد أبتي، عضو لفيف الدفاع عن زعيم الحركة الانعتاقية.
يوم 24 ديسمبر 2014، تم الحكم على محمد الشيخ ولد امخيطير (29 سنة) بالإعدام بعد أن أدين، من قبل المحكمة الجنائية لولاية انواذيبو (العاصمة الاقتصادية لموريتانيا)، بتهمة الردة إثر تحريره مقالا "مسيئا للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم". وقد صرح النائب بالجمعية الموريتانية ورئيس حزب التجديد الديمقراطي، المصطفى ولد اعبيد الرحمان، يوم 30 مارس المنصرم، بأن "ولد امخيطير لم يكن ليدان لو لم يكن منتميا لفئة الحدادين".
"التحريض على القتل جريمة"...
الخميس 5 يونيو 2014، أطلق يحظيه ولد الداهي، رئيس حركة "أحباب الرسول (صلى الله عليه وسلم)" الإسلامية المتطرفة، دعوة صريحة لقتل الحقوقية الشهيرة آمنة منت المختار التي يقول إنها دافعت عن قضية الشاب محمد الشيخ ولد امخيطير سنة 2014. وقد أعربت الحقوقية، في مؤتمر صحفي عقدته إثر دعوة ولد الداهي، عن عزمها "التصدي للأفكار التي يعرضها رئيس الحركة"، قائلة إن "الدعوة إلى القتل تعد بحد ذاتها جريمة".
وقد تناولت الصحافة العالمية هذه القضية بشكل واسع؛ حيث كتبت لو نوفيل أوبس: "يبدو تحيز القاضي واضحا في هذه القضية. فالتوبة التي صرح بها ولد امخيطير لم يكن لها أي تأثير، لا من حيث إعادة تكييف الفعل ولا من حيث نتيجة المحاكمة. وهكذا، فإن مبدأ المحاكمة العادلة التي يجب أن يتمتع بها كل متهم قد انتهك من قبل العدالة الموريتانية. ولم يعلن عن نتائج التحقيق في هذه القضية، بسبب الضغط السياسي والديني".
"الحريات منسوفة في البلد"
يوم 28 يناير، منع حاكم دار النعيم الكونفدرالية الحرة لعمال موريتانيا من تنظيم نشاط نقابي بالتعاون مع الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية. يتعلق النشاط، وفقا للكونفدرالية، بحملة توعية حول الترسانة القانونية الموريتانية على العبودية. وقد برر الحاكم قراره بعدم توافق العمل النقابي مع السياسة فيما يحمل هذا النشاط، وفقا له، طابعا سياسيا.
"هنالك رؤية جديدة لدى الحكومة لسحق كل الحساسيات ومصادرة آراء كل الفاعلين الذين يحاربون الممارسات الاسترقاقية التي لا تزال موجودة في موريتانيا" كما يقول الساموري ولد بي، الأمين العام للكونفدرالية الحرة للعمال الموريتانيين، الذي يخلص إلى أنه "إذا لم يُسمح للناس بالتعبير عن آرائهم، والبوح بأفكارهم ومعتقداتهم، فهذا يدل على أن الحريات أصبحت منسوفة في البلد".
"لقد تم منع الرابطات المدافعة عن حقوق النساء من الاحتجاج، وتم منع النقابيين المتضامنين مع العمال المضربين في سنيم من التظاهر، وكذلك كان مصير المحاربين للعبودية" يقول مناضل حقوقي فضل عدم الكشف عن هويته، مضيفا: "منذ عدة أسابيع والجهات الأمنية ترفض كل أنواع التظاهر".
في الآونة الأخيرة، تم اعتقال مغني الراب حماده، أحد أعضاء فرقة "اولاد لبلاد"، واتهمته النيابة بالاغتصاب وتعاطي المخدرات. وجاءت هذه المتابعة القضائية عقب استفزاز قامت به المجموعة أثناء مهرجان المدن القديمة في نسخته الأخيرة؛ حيث قامت الفرقة، بدلا من إنتاج أغنية مديحية في حق الرئيس ولد عبد العزيز، كما كان يراد منها، بتسليط الضوء على أغنيتها المعنونة "ارحل !" الموجهة ضد النظام. وكانت الفرقة قد أنتجت العديد من الأغاني ضد الرئيس محمد ولد عبد العزيز. وقد اتهم الناطق باسم لجنة الشباب في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، عبد الله ولد حرمة الله، رجل الأعمال الموجود في منفى اختياري بسبب خلافاته مع النظام، محمد ولد بوعماتو، بتمويل الفرقة الفنية.
"إن حبس موكلي هو مثال صارخ على عدم احترام حرية التعبير في موريتانيا" يقول ذ/ محمد امبارك ولد محمد فال، محامي مغني الراب حماده ولد سيدي.
"ولد عبد العزيز متورط بشكل مباشر"
ووفقا لمدير موقع تقدمي الإلكتروني، حنفي ولد دهاه، فإنه قد تعرض لاعتداء جسدي "كعقوبة على الخط التحريري لموقعه والقائم على كشف الفساد والرشوة واختلاس المال العام" مضيفا أن "ولد عبد العزيز متورط بشكل مباشر (في الاعتداء)".
"لقد شهدت حرية التعبير والصحافة تراجعا ملحوظا في موريتانيا بالمقارنة بعهد ولد الطائع" كما يقول ولد دهاه الذي يستدرك "(وذلك) رغم الرتوشات الزائفة التي أضافها نظام ولد عبد العزيز".